كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وإني لأعتقد أن الرسول نفذ عقوبة الإعدام في بني قريظة، واكتفى
بإجلاء بني قينقاع وبني النضير، لأن بني قريظة قد تبتت ضدهم تهمة الخيانة
العظمى كما تسمى في عرف المقننين المحدتين، ولم تثبت ضد الفريقين
الآخرين، حيث كانت جريمة بني النضير خيانة سولها لهم الشيطان بالاعتداء
على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو وإن كان مؤسس الدولة وزعيمها ولكنها ليست
اعتداء على الدولة، فلا تستحق عقوبة القتل، وبخاصة وأنه لم يحصل فيها
قتل فعلا.
ولقد نصت المعاهدة على عقوبة البغي والاعتداء والظلم، حيث جاء
فيها: وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين
دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأتم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل
بيته (1).
لهذا كانت عقوبة بني قينقاع وبني النضير الإجلاء والطرد من المدينة،
وأما بنو قريظة، فلم يكن لهم إلا القتل لبشاعة جريمتهم حيث انضموا بقوتهم
ومقاتلتهم وسلاحهم إلى أعداء الدولة بقصد تدميرها وتمكين الأعداء منها.
وقد حاول إسرائيل ولفنسون تبرتة بني النضير من التهمة التي نسبت
إليهم، وعزا إجلاء الرسول لهم عن المدينة إلى أنهم لم يخرجوا معه في
غزوة أحد، لذلك حقد عليهم، وأجلاهم.
والواقع يكذب ذلك، لأن بني قريظة لم يخرجوا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في
غزوة أحد، ولا هو ندبهم لذلك فلماذا يجلى بني النضير لأنهم لم يخرجوا
معه، ويترك بني قريظة؟.
ويجيب ولفنسون: أن بني قريظة كان لهم اتفاق اخر غير الاتفاق العام
الذي عقده الرسول مع اليهود.
ويرد هذا الكلام بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يعاتب أحدا، ولم يطلب من
__________
(1) ابن هشام (2/ 107).
90

الصفحة 90