كل قلب، ولم يكن هناك مجال لدين اخر يستطيع مواجهة الدين الجديد،
وكان اليهود- وإن بقوا على دينهم، وأقرهم الرسول عليه - لا يقبلون من
يدخل في دينهم من العرب لأنهم كانوا يعتقدون أنهم شعب الله المختار، فلا
يصح أن يشاركهم غيرهم في تلك الميزة.
الثاني: التجمع اليهودي
إن وجود اليهود في المدينة كان من أكبر عوامل ظهور النفاق فيها، ذلك
لأن العرب كانوا يعترفون لليهود بأنهم أهل الكتاب الأول وأنهم أعلم بالديانات
السماوية منهم، فكانوا يسألونهم، فيطعنون في الإسلام، ويحرضونهم على
عدم الدخول فيه دخولا حقيقيا، وكانوا يعلمون الناس أساليب النفاق، حكى
القرآن الكريم عنهم ذلك في قوله - تعالى -: " وقالت طائفة من أهل الكتاب
آمنوا بالذي أنزل على الذين امنوا وجه النهار، وأكفروا آخره" (1). وذلك هو
عين النفاق.
يقول الشوكاني: أي قال ذلك الروساء للسفلة: لا تصدقوا تصديقا
صحيحا إلا لمن تبع دينكم من أهل الملة التي أنتم عليها، وأما غيرهم ممن
قد أسلم، فأظهروا لهم ذلك خداعا (2).
لهذين السببين لم يجد ضعاف النفوس ومرضى القلوب القوة التي
تحميهم ليعلنوا كفرهم، ولم يكن لديهم الشجاعة التي يستطيعون بها إعلان
عداوتهم للإسلام، فكانوا كما وصفهم الله - عز وجل - " مذبذبين بين ذلك،
لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء" (3) وكانوا هم المنافقين.
موقف الإسلام منهم:
واجه المسلمون لأول مرة طائفة المنافقين، ولم يكن لهم سابق دراية
بمعاملتهم، ولا بأخلاقهم، فكان لا بد أن يأخذ منهم ظاهرهم، ويكل
__________
(1) آل عمران: 72.
(2) فتح القدير: (351/ 1).
(3) سورة النساء: 143.
92