سريرتهم إلى خالقهم، فهو- سبحانه - أعلم بهم من أنفسهم، لا سيما وأنهم
كانوا يعلنون إسلامهم، فليس علينا مما يبطنون شيء ما دام لم يظهر لنا.
وهكذا عاملهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يعرف من الرجل النفاق
في حركاته وسكناته، في عمله وكلامه، ومع ذلك كان لا يعاملهم إلا بما
يظهرون.
وكان يرفق بهم ولا يعنفهم، ولما طلب منه - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب -
رضي الله عنه - أن يقتل هؤلاء الذين ظهر نفاقهم ور قال: فكيف يا عمر إذا
تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه (1)؟
ولما قا ل عبد الله بن أبي ما قال في غزوة بن المصطلق، وغضب
الرسول لذلك، جاءه عبد الله بن عبد الله بن أبي، وقال له: يا رسول الله، إنه
بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت لا بد فاعلا
فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من
رجل أبر بوالده مني، و إني أخشى أن تأمر به غيرى فيقتله، فلا تدعني نفسي
أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس، فأقتله، فأقتل مؤمنا بكافر،
فأدخل النار، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي
فينا" (2).
وظلت معاملة الرسول لهم كذلك حتى بدا منهم ما استوجب فضيحتهم
وطردهم من مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. روى ابن هشام أن هؤلاء المنافقين كانوا
يحضرون المسجد فيستمعون أحادتث المسلمين، ويسخرون ويستهزئون
بدينهم، فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس، فراهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يتحدثون بينهم، خافضين أصواتهم، قد لصق بعضهم ببعض فأمر بهم،
فأخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا (3).
__________
(1) ابن هشام (3/ 83 1).
(2) ابن هشام (184).
(3) ابن هشام (125/ 2).
93