كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

وكأن المسلمين كانوا يعرفونهم، ويكتمون غيظهم، فلم يكد رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بإخراجهم، حتى هجم عليهم الصحابة، ونرى في إخراجهم
من المسجد صورا تنم عن مدى الغيظ الذي كان في نفوس المسلمين منهم،
لما كانوا يسمعون منهم من الأذى والسخرية، فأبو أيوب الأنصارى يأخذ
برجل عمر بن قيس - وهو صاحب آلهتهم في الجاهلية - فيسحبه منها حتى
يخرجه من المسجد، ويعود أبو أيوب فيلبب رافع بن وديعة برداثه، ويلطم
وجهه وينتره من المسجد نترا شديدا، ويقول له: أف لك، منافقا خبيثا،
أدراجك يا منافق من مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ونرى عمارة بن حزم يأخذ بلحية زيد بن عمرو، وكان ذا لحية طويلة،
فقاده بها قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد، تم جمع يديه وضربه بهما في
صدره ضربة سقط منها على الأرض، ويصيح المنافق، خدشتني يا عمارة،
فيقول - رضي الله عنه - أبعدك الله يا منافق، فما أعد الله لك من العذاب
أشد من ذلك، فلا تقربن مسجد رسول الله.
ويذهب مسعود بن أوس، إلى قيس بن عمرو بن سهل، وكان قيس
غلاما، لا يعرف في المنافقين شاب غيره، فجعل يدفع في قفاه ضى أخرجه
من المسجد، ويقوم عبد الله بن الحارث فيأخذ بجبة الحارث بن عمرو-
وكان ذا جبة عظيمة - ويسحبه منها سحباً عنيفاً على الأرض، حتى أخرجه من
المسجد (1).
وهكذا تغيرت سياسة الرفق بهم إلى سياسة العنف واللوم، وبدأ القرآن
الكريم يفضحهم بذكر بعض صفاتهم التي تميزهم عن غيرهم، ويهددهم
بكشف مخبوئهم، وإظهار حقدهم، قال تعالى: " أم حسب الذين في
قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم؟ ولو نشاء لأريناكهم، فلعرفتهم
بسيماهم، ولتعرفنهم في لحن القول، والله يعلم أعمالكم " (2).
__________
(1) ابن هشام (125/ 2 /126).
(2) محمد: 29 - 30.
94

الصفحة 94