ويقول - سبحانه -: " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع
لقولهم: كيأنهم خشب مسندة، يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدو
فاحذرهم، قاتلهم الله، أنى يؤفكون؟ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم
رسول الله، لووا رووسهم، ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون " (1).
وكان النفاق - وهو وليد الضعف الخلقي - قد أكسب المنافقين كثيرا
من الرذائل أبشعها الكذب، حتى كان الرجل منهم يعمل العمل، وهو يظن
أنه سيخفي على المسلمين، فإذا افتضح أمره، كذب وأقسم أنه لم يعمله،
وتلك خلة خسيسة، لا يقبلها إلا إنسان خسيس، ولكنها كانت لازمة من لوازم
النفاق، وصفة من صفات المنافقين، سواء كان ذلك المنافق رئيسا في قومه،
أو مرووسا على كل حال كان نفاقه يبيح له أن يكذب ليبرر موقفه وينجي
نفسه.
هذا عبد الله بن أبي بن سلول بعد ما قال في غزوة بني المصطلق ما
قال، بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغ رسول الله ما سمع منه، فمشى إلى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحلف بالله ما قال، ولا تكلمت به. ويقول ابن هشام،
وكان في قومه شريفا عظيما (2).
وهذا الجلاس بن سويد بن الصامت، وقد سمع ما أجاب به رسول الله
المنافقين، وما تلى من الايات التي نزلت فيهم، فقال الجلاس: إن كان ما
يقول محمد على إخواننا حقا، لنحن شر من المحمرة فقال عباس بن قيس:
والله إنه لصادق، ولأنتم شر من الحمر، وأخبر عامر الرسول بما قال
الجلاس، فاًنكر الجلاس، وقال: ما قلت شيئا، وحلف على ذلك، فنزلت
الآية: "يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد
إسلامهم" (3).
__________
(1) المنافقون: 4، 5
(2) ابن هشام (3/ 183).
(3) زاد المسير (3/ 475).
95