للتحاسد، ولا مكان للتباغض، وعندتذ يشيع الأمن في النفوس، وتعم
الطمأنينة القلوب.
العامل المادي:
هو الحدود التي شرعها الله تأديبا للمذنب بما يمنعه، ويمنع غيره من
ارتكاب الذنب أو معاودته (1).
وإنما شرع الله - عز وجل - الحدود صيانة للأمن، وحفظا للمجتمع،
وقد تنوعت الحدود بما يتناسب مع الجريمة، حتى يؤتى الحد الثمرة المرجوة
منه، فحد السرقة قطع اليد التي امتدت إلى ما ليس لها فيه حق، وحد السكر
الجلد حتى يتاًلم الجسم الذي تلذذ بالشرب، وكذلك حد الزنا للأعزب
الجلد ليذوق الجسم مرارة الألم كما ذاق لذة المعصية، وأما حد الثيب
فالرجم حتى الموت لتخفي معالم الجريمة، وتموت مع مرتكبها، فلا تذكر
كلما يرى.
وأما حد القتل فإن كان عمدا فالقتل - النفس بالنفس - وإن كان خطأ
فدية تسلم لأهل القتيل، وتحرير رقبة تحل في المجتمع محل النفس
المقتولة.
وتلك هي الجرائم التي تخل بأمن المجتمع، وتقلق راحته، وتعرضه
للاضطراب والفوضى وقد وضع الإسلام هذه الحدود لردع المذنبين، حتى لا
يعبثوا بأمن المجتمع، ولا تسول لهم أنفسهم اقترافها، فيعيش الناس في
خوف من وقوع الجرائم بهم، وتنعدم الثقة في الحكومة، فلا تكون محل
تقدير واحترام.
لهذا كانت الحكومة الإسلامية حريصة على استقرار الأمن، لأن
استقرار الأمن دليل قوي على قدرة الحكومة وسيطرتها على الأوضاع
الداخلية، وهذا مما يحتم على الناس الإذعان للحكومة، وتسليم أمورهم لها
__________
(1) فتح الباري (12/ 58).
97