كتاب المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى

تتصرف فيها بثقة، وهي متأكدة أنها مؤيدة من أفراد الأمة التي تحكمها.
ومن المعلوم أن الخوف المترتب على عدم الأمن، والفوضى المتسببة
عن زوال الطمأنينة، يؤديان إلى نقص كبير في الإنتاج، سواء كان زراعيا أم
صناعيا، كما يؤديان إلى عدم الجودة فيه، وهذا يتعارض مع القاعدة
الإسلامية: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ويتعارض مع الحديث
الشرتف "إن الله - تعالى - كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا
القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح
ذبيحته " (1).
ولهذا جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ترويع المؤمن ذنبا عظيما، فقال: "لا
تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ذنب عظيم " (2).
ولا شك ان هذه الحدود قد أقرت الأمن في المجتمع الإسلامي،
وجعلت الناس ينعمون بالطمأنينة في ظلها، ذلك لأنها منصفة ورادعة، إنها
تأخذ من الظالم حق المظلوم بشكل يرضيه، فلا تطلب نفسه مزيدا، وتردع
الظالم فلا يفكر في العدوان على غيره.
ومن ذا الذي يفكر في العدوان، وهو يدلم أن سيف الحدود مسلط
عليه؟ إن يدا واحدة تقطع في حد تصون أموال الناس من الضياع، وان ظهرا
يجلد في حد يحفظ على النالس عقولهم وأعراضهم، وشبح الموت الذي
يترصد الزاني المحصن والقاتل يحمي أعراض الناس وأرواحهم من أن تهدر
أو تنتهك.
ولقد جربت عمليا إقامة الحدود على الناس فكانت أكثر بركة وأعظم
خيرا من تشديد الحراسة، والإكثار من الشرطة، وتدريبهم على مقاومة
الجريمة، وإننا لنرى الان الجرائم أكثر انتشارا في العالم المتحضر الذي
يملك وسائل المقاومة أكثر منها في أى مكان اخر، ولم تكن وسائل مقاومة
__________
(1) مختصر مسلم (2/ 98).
(2) الطبراني في الكبير، وقال السيوطي في الجامع الصغير صحيح.
98

الصفحة 98