101…إن الحقيقة التي لا يماري فيها اثنان هي أنه لولا قوة عمر الشخصية، وهيبته في نفوس المسلمين، وأخذه نفسه وأهله بما كان يدعو إليه، ولولا أن المسلمين يعرفون من عمر صرامة لا تفل، وعزيمة لا تقهر، وإصراراً على تنفيذ ما وعد به أو توعد، ولولا أن عمر نفسه كان قادراً على اخذ الناس بما يأمر به، حريصاً على حملهم على طريقته، واثقاً من أن ينبغي مصلحتهم، لما استطاع أن يسير بالناس تلك السيرة التي لا يطيقها إلا أولوا العزم من الرجال.
ومع كل هذا أدرك عمر -رضي الله عنه- أن الناس أصبحوا لا يطيقون ذلك، وأن الأمر يوشك أن يفلت من يديه، وأن المسلمين صائرون لا محالة إلى أمر غير الذي هو عليه، فخشى أن يلقي اله مفرطاً أو مضيعاً، روى سعيد بن المسيب -رحمه الله- قال: لما نفر عمر من منى أناخ بالأبطح ثم استلقى ورفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط (1).
فلما كان عثمان -رضي الله عنه- وهو الرجل الهين اللين الحليم الكريم، البار الرحيم، أملت عليه تلك الصفات التي فطر عليها منهجه مع رعيته، ورسمت له خطته في خلافته، فوجد المسلمون في عهده ما لم يجدوه في عهد سابقه، فانتقل الناس طفرة من خشونة العيش وشظفه، إلى لينه وطرائفه، ومن ضيق الحياة ولأوائها، إلى سعتها ونعمائها، ولأن الخليفة للناس، فظن بعض السفهاء والخفاف أن لينه ضعفاً وبدأ الشر يتسرب إلى تلك النفوس التي يفسدها التلطف، ويغريها بالشر الإحسان.
لم يكن عثمان -رضي الله عنه- يستطيع أن يكون غير ذلك، لأنه حينئذٍ يكلف نفسه شيئاً ليس من طباعها، إن حياءه الجم لا يمكنه أن يواجه مذنباً بذنبه، وبخاصة إذا كان الذنب في حقه هو، وأن لينه وتسامحه قد جراءا عليه ضعاف النفوس من الذين لم يستقر الإيمان بعد في قلوبهم.
__________
(1) تاريخ الخلفاء ص: 133.