104…ولكنا إذا نظرنا إلى المراكز الحساسة التي كانوا يتولون أمرها، والمناطق الهامة التي كانوا يديرونها ندرك مدى تخوف المسلمين، وسبب غضبهم لهذا العمل الذي لم يكن فيه الخليفة الثالث موافقاً لصاحبه من قبل.
فقد كان ابن أبي سرح والياً على مصر، والوليد بن عقبة ومن بعده سعيد بن العاص والياً على الكوفة، وكان معاوية بن أبي سفيان والياً على الشام ولكن لم يكن عثمان هو الذي ولاّه، إذ كان والياً عليها منذ عهد ابن الخطاب، وأقره عثمان، ولكنه على كل حال كان من أقاربه، كذلك كان عبد الله بن عامر بن كريز والياً على الكوفة.
وكانت الولايات الثلاثة هي الثغور التي تطل على العداء من جهة، وتدر على الدولة الخيرات من جهة ثانية، كما كانت ميادين التوثب للزحف والتوسع في الفتح وانتشار الإسلام من جهة ثالثة.
من أجل هذا كان المسلمون يحسدون الولاة الثلاثة على مراكزهم التي حباهم الخليفة، لأنهم لم يكونوا في نظرهم أهلاً لها لتأخرهم في الإسلام، ولعداوتهم الطويلة للمسلمين السابقين.
ولكن - والحق يقال - أنهم مع هذا كانوا أكفّاء كما قلت من قبل لم يفرَّطوا ولم يضيعوا، وكان لهم أثر كبير في الفتوح والانتصارات التي أحرزها.
المسلمون، لم يختلف في ذلك اثنان، ولم ينكره عليهم عدو ولا صديق.
هكذا كان الوضع في عهد الخليفتين الراشدين، وهكذا لمس المسلمون في عهديهما ذلك التباين الواضح في سياستيهما، تشديد ضاقت به النفوس في عهد عمر، وتوسعة أحقدت النفوس في عهد عثمان، وإبعاد للأهل والأقارب عن الولايات والأمرة في عهد عمر، وتقريب لهما وتوليتهما في عهد عثمان.
لا عجب أن تتطلع النفوس في العهد الثاني إلى ما حرمن منه أولاً، ولا غرابة أن تشرئب الأعناق إلى ما لم تتطاول إليه من قبل، فكان التنافس على الدنيا والتي فتحت عليهم، وكانت المبادرة إلى جمع أسباب الترف…