105…الذي حرموا منه فترة من الزمان.
ولا شك أن تكون النتيجة الحتمية لذلك التنافس وتلك المبادرة هي ظهور انحرافات في المجتمع الذي استبدل الترف بالتقشف، واللين بالخشونة ولا سيما هؤلاء الذين لم يسعدوا بصحبة الرسول الكريم، ولم يحظوا بالمثول بين يديه يقوم نفوسهم بالإسلام، ويهذب طباعهم بمبادئه وتعاليمه، ويصقل قلوبهم بالزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله من النعيم والأجر.
مجتمع المدينة
كان المجتمع في نهاية عهد عمر، وبداية عهد عثمان يتكون من طوائف مختلفة، فمنهم سكان المدينة الأصليون، ومنهم الأعراب النازحون، ومنهم الذين أسلموا من اليمنيين ومنهم المهاجرون الأولون، وكانت هذه الطوائف كلها تعيش إلى جوار بعضها في عاصمة الإسلام متحابة متآلفة، وحَّدها الإسلام فنسيت أوطانها، وآخى بينها الإيمان فانسلخت من عنصريتها، وألف الله بين قلوبها فأصبحت بنعمته طائفة واحدة.
تعايشت هذه الطوائف في المدينة في جو من السلام الذي نادى به الإسلام، فلم يسمع بينها خلاف أو شقاق إلا كما يسمع بين أفراد العائلة الواحدة، وتلك طبيعة الإسلام يصهر النفوس فيستل أضغانها، ويصقل القلوب فيزيل أحقادها، فيعيش الناس في ظله الوارف إخواناً متحابين.
ولم تمض السنة الأولى أو السنوات الأول من عهد عثمان حتى ظهرت في المدينة طوائف جديدة، نارست حقها في العيش إلى جوار هذه الطوائف القديمة، وتطلعت إلى ما لم يتطلع إليه المسلمون الأولون في عهد عمر، فقد كان -رضي الله عنه- آخذاً بزمامهم، ممسكاً بحجزهم عن أن يتهافتوا على أمور تؤدي بدينهم، وتشوه سابقتهم، وتنقص من قدر المنزلة التي بلغوها في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن عثمان لم ينهج نهج عمر في ذلك، فأرخى لهم الزمام يسيحون في الأرض حيث يشاءون، ووصلهم بالعطايا والجوائز فاتخموا بالأموال وراحوا يبيعون ويشترون.
…