106…كانت تلك الطوائف الجديدة متمثلة في الطلقاء من المكيين الذين لم يدخلوا في الإسلام إلا بعد الفتح، وكان معظمهم من شباب قريش الذين أولعوا بالمغامرات شأنهم في ذلك كل طبقة تشعر بتفوقها على غيرها من طبقات المجتمع الذي تعيش فيه.
وكان لهم آمال وطموح وتطلع إلى حياة تتناسب مع مكانتهم التي كانت لهم قبل الإسلام، فحال عمر -رضي الله عنه- بينهم وبين ما يخططون له من المغامرات، ووقف سداً منيعاً في وجه هذه الآمال وتلك التطلعات فانكبح جماحهم، وسلس قيادهم، ولكنهم ظلوا يتحينون الفرص حتى أتيحت لهم في عهد عثمان.
وكان من هذه الطوائف أبناء الأنصار الجدد، الذين عرفوا من تاريخ آبائهم ما حفزهم لأن يحاولوا أن يأخذوا مكانهم بين المسلمين كما كان آباؤهم من قبل ولكنهم رغم تلك المحاولات لم يحصلوا على ما تطلعت إليه نفوسهم، فكانوا بذلك غير راضين عن الوضع الجديد.
لقد كانوا يطمعون أن ينالوا تلك المكانة في عهد عثمان -رضي الله عنه- الذي وسع الناس بمنحه المتوالية، وعطاياه التي لم تنقطع، ولكن أغلب الظن أن عثمان لم يولهم تلك الالتفاتة التي طمعوا فيها منه، فسخطوا وظلوا متربصين.
وهناك الأعراب الذين كانوا ينزحون إلى العاصمة - المدينة - طمعاً في المشاركة في المغانم التي كانت تجلب إليها، وكانوا يعتقدون بحقهم في المساواة التي فرضها الإسلام لكل رعاياه.
لم يستطيع الخليفة أن يسع كل هذه الطوائف كما وسع خاصة المسلمين، ولم يقدر على أن يتيح لهم فرصة الثراء على حد سواء فغضبت النفوس الضعيفة، وأصبحت مستعدة للانفجار، تنتظر اليد الآثمة التي تشعل الفتيل لتنفجر مدمرة غير مكترثة بالنتائج والآثار.
وبهذا كان مجتمع المدينة مهيأ للاشتراك في فتنة هوجاء تأكل الأخضر…