كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

108…وإني لن اناقش هذه الأسباب التي اعتمد عليها المتفنون ليقتلوا خليفتهم، فقد ناقشها من قبل أئمة اعلام (1)، وأثبتوا زيفها، وبطلانها، وما صح منها (2) بينوا حق الخليفة في فعله، وأثبتوا أن عمر -رضي الله عنه- قد فعل مثله ولم يلمه أحد على فعله.
ولكني سأناقش الموضوع من وجهين: الأول: لو فرضنا صحة ما نسبوا إلى عثمان هل فيها ما يبرر قتله؟.
الثاني: شخصيات الثائرين، وهل فيهم من هو أحرص على الدين ومحاسبة الخليفة على التقصير فيه من كبار الصحابة الموجودين؟؟.
إن الباحث المدقق لو استعرض ما نسبه الخارجون إلى الخليفة مع تقدير صحة نسبته ووقوعه منه لا يرى فيه أكثر من أمور كلها قابلة للاجتهاد، والخطأ والصواب، وكل ما كان شأنه كذلك لا يبيح أبسط الحدود وبخاصة عند وجود الشبهة، فكيف برر به المتمردون قتل أمير المؤمنين وفي أعناقهم له بيعة؟ إن نقض البيع أعظم جرماً من اي خطأ نسب إلى عثمان، وإن الخروج على الخليفة وتفرقة جماعة المسلمين أبشع من أية تهمة وجهت إلى عثمان.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بين في وضوح الأسباب التي تبيح دم الإنسان، وحددها تحديداً بيَّناً حتى لا يتذرع المتأملون بأية شبهة تبيح لهم دماء المسلمين، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه الفارق للجماعة)) (3).
فأي واحدة من هذه الثلاث ارتكبها عثمان -رضي الله عنه- حتى يستبيح هؤلاء المارقون بها دمه الذكي؟ …
__________
(1) مثل العسكري في الأوائل، وابن العربي في العواصم، وابن تيمية في منهاج السنة، والبكري في تاريخ الحميس وغيرهم.
(2) مثل كتابة المصحف، وحماية الحمى.
(3) رواه مسلم.

الصفحة 108