109…لو وقف المتمردون عند حد الاحتجاج على ارتكاب هذه الأخطاء لكان لهم عذر مقبول ولعلمنا حرصهم على مصلحة المسلمين، ولو رفعوا الأمر إلى مجلس الشوري الذي اختار عثمان ليحقق معه فيما نسب إليه سنّوا في الخلفاء سنة محمودة، أما أن يقرنوا الاحتجاج بالتنفيذ وليسوا من أهله، وأما أن يحكموا على الخليفة وهم خصومهُ اللداء، فذلك هو الأمر الذي لا يقره عقل، ولا يرضى به عرف، ولا تقبله شريعة من الشرائع.
ولا شك أن أي منصف من الناس بعد أن يعرف هذه الحقيقة لا بدّ أن يسأل لماذا إذن قتل أمير المؤمنين - عثمان -رضي الله عنه؟؟ -.
وعندئذٍ لن يجد الجواب الشافي الذي يقنع عقله، ويرضي ضميره إلا في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتنة، فمر رجل، فقال -صلى الله عليه وسلم- ((يقتل فيها هذا المقنع يومئذٍ مظلوماً)) قال ابن عمر: فنظرت، فإذا هو عثمان بن عفان (1).
فعثمان إذن قتل ظلماً، وليس هناك سبب واحد يبرر قتله مهما كان السبب، ومهما كان المفترون المختلقون لهذه الأسباب.
والذي يظهر للمحقق بعد النظر في هذه التهم، وتفنيد أمير المؤمنين -عثمان رضي الله عنه- لها أنها كانت لتبرير الوثوب على الخليفة، وإقناع المخدوعين من العوام بالخروج عليه، والمقصود الحقيقي لهم هو قتل الخليفة لإشاعة الفتنة والاستيلاء على المناصب التي كانت نفوسهم تتطلع إليها، وليس هناك وسيلة إلى ذلك في نظرهم سوى ارتكاب هذه الجريمة التي تترفع عن ارتكابها النفوس السوية.
وليس أدل على ذلك مما رواه الطبراني، قال: إن علياً لما فرغ من البيعة بعد وقعة الجمل، استعمل عبد الله ابن عباس على البصرة، فلما بلغ الأشتر النخعي ذلك غضب، وقال: (علام قتلنا الشيخ إذن؟؟ اليمن…
__________
(1) رواه أحمد في المسند.