كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

110…لعبيد الله، والحجاز لقثم، والبصرة لعبيد الله، والكوفة لعلي) (1).
وتدل عبارة الاشتر على أحد الأمرين: الأول أن تكون نفسه قد طمعت في إحدى الولايات الإسلامية وامل الوصول إلى غايته بعد مقتل الخليفة، فلما لم يصل إلى غايته غضب وقال ما قال.
والثاني: أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قد ولى أقاربه كما فعل عثمان، فلماذا قتل عثمان وهو لم يفعل منكراً، ولم يأتِ بدعاً؟.
ولكن غضب الأشتر، وتعداده للولايات التي شغلها علي بأبناء عمه دون أن يجعله على واحدة منها يدل على أنه كان يريد شيئاً منها لنفسه.
ولعل أمير المؤمنين -علياً- قد أدرك هذا من الأشتر فخاف أن يحرك الشر في نفوس الناس ويثير الفتنة من جديد وهي لما تنطفئ، فولاه على مصر بعد قيس بن سعد بن عبادة، ولكن المنية عاجلته فمات بالقرب من القلزم (السويس) (2).
ولم يكن هناك أسباب إذن لقتل الخليفة المفترى عليه، وإثارة الفتنة ضده، وتحريض العامة عليه، وإنما كانت هناك أطماع في قلوب جشعة حاولت الوصول إليها فلم تفلح، فافترت على الخليفة الكذب، وأشاعت الأباطيل، واختفت في ظلام الفتنة الحالك، وارتكبت أبشع جرم عرفته الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل، وكان الهدف الحقيقي هو الإسلام.
ولننظر الآن في رؤوس تلك الفتنة العمياء، وأحلاس هذه الفوضى الضاربة أطنابها في كل ميدان، إننا لو استطعنا أن نعرف شيئاً عن هؤلاء الذين تزعموا تلك الحركة وقادوها وأشعلوا نار الفتنة وأوقدوها لأدركنا السر الكامن وراء ما دَبَّر هؤلاء من كيد ولعرفنا حقيقة تلك الحركة المشبوهة التي استمرت آثارها تهدم في ذلك البناء الشامخ سنوات عدة حتى انتهت الخلافة الرشيدة.

__________
(1) الطبري (4/ 492).
(2) الإصابة (3/ 482).

الصفحة 110