113…إن المؤرخين يذكرون أن الأشتر النخعي وحكيم بن جبلة لم ينصرفا مع المنصرفين من المدينة إلى بلادهم التي قدموا منها، وكأنهم قد ساءهم فشل تدبيرهم، وحز في نفوسهم تلك النهاية التي مُنيت بها خطتهم الخيثة، فتخلفا ليدبرا أمراً (1).
ويقول الأستاذ محب الدين الخطيب: وفي ذلك - أي في تخلف الأشتر وحكيم بالمدينة - شبهة قوية بأن لهما دخلاً في افتعال الكتاب المزور على أمير المؤمنين (2).
وإني لأرى الوقت مناسباً لمعرفة مصدر الشر، والعثور على روافده التي كانت تغذيه، وما كان المتمردون يضمرونه للإسلام وذويه.
قلت من قبل أن رؤوس الفتنة خمسة رجال هم: ابن سبأ، والاشتر وكنانة وحكيم والغافقي ولكهم كما يبدو من أسمائهم مجهولون لم يعرف التاريخ أسماءهم إلا لاشتراكهم في الفتنة، ولولا الفتنة لظلوا كغيرهم في طي النسيان، وإنما مثلهم في ذلك كمثل الشيطان، لولا وقفته من آدم - عليه السلام - ما عرف أحد اسمه، ولا ورد على طرف لسان.
وقد يعجز أناس عن البروز عن طريق البطولات، واتخاذ مكانتهم في النفوس عن طريق الفضائل والمكرمات، فيلجون أبواب الفساد وهي مفتوحة لكل راغب، ويقتحمون الرذائل وهي ميسرة لكل طالب، فتطير لهم شهرة مع الأباليس.
وأخس من هؤلاء وأدنأ هؤلاء الذين يلبسون مسوح الرهبان، ويقتنصون فريستهم كالذئاب، فيذكرون ببطولات كذوبة، ويظهرون على صفحات التاريخ بوجوه مزورة.
وقد يحسب هؤلاء أنهم سيظلون مستورين، وأن تزويرهم سيبقى ببقاء…
__________
(1) الطبري (5/ 120) طبع أوروبا.
(2) حاشية العواصم ص: 89.