كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

114…التاريخ ولكن سرعان ما يقيض الله للحقيقة رجالاً يبرزونها، ويكشفون الزيف عن جوانبها فتبدو في صفاء الذهب، وطهارة الماء والثلج والبرد، ويفتضح الدجّالون، ويرى الناس وجه الحق الأبلج البراق.
ورؤوس الفتنة الخمسة دخلوا التاريخ من بابه الخلفي، وذكروا إلى جوار العظماء من رجاله كما يذكر الشر بذكر الخير، وحجبوا وجه أحداثه النَيَّر المضيء كما يحجب لذة التمتع بالنعمة ذكر النقمة.
ولست في ذلك متجنباً على الرجال، ولكنها الحقيقة رواها التاريخ نفسه الذي اعتدى على قداسته الدخلاء، ولنسرد شيئاً من تاريخهم يكشف عن هوياتهم.
1 - عبد الله بن سبأ:
يكاد المؤرخون يجمعون على أن ابن سبأ هذا هو زعيم هذه الفتنة الطامة، ويسميه بعضهم ابن السوداء، لأن أمه امرأة سوداء، ولم يفرق أحد بين ابن سبأ وبين ابن السوداء سوى صاحب (الفرق بين الفرق) فإنه جعل ابن السوداء شخصاً آخر غير ابن سبأ (1).
وكما أجمع كبار المؤرخين على أن عبد الله بن سبأ هذا هو زعيم الفتنة أجمعوا كذلك على أنه يهودي الأصل من يهود اليمن، وأنه أسلم في زمن الخليفة الثالث عمر بن عفان -رضي الله عنه- قالوا: وتنقل في بلاد المسلمين يحاول ضىلتهم، خرج من صنعاء وتوجه إلى الحجاز، فلم يجد سميعاً لدعوته، فذهب إلى البصرة ثم الكوفة ومنها إلى الشام، وكان يطارد من الأمراء في كل زمان ينزله، واستقر أخيراً في مصر (2).
يقول ابن كثير: وكان أصله - عبد الله بن سبأ - ذمياً، فأظهر الإسلام، وأحدث بدعا قولية وفعلية (3) وكانت هذه البدع تتمثل في قوله بالرجعة، فكان…
__________
(1) الفرق بين الفرق ص: 233 - 234.
(2) الطبري (4/ 341)، ابن الأثير (3/ 154).
(3) البداية والنهاية (7/ 173)، ابن كثير (7/ 173).

الصفحة 114