116…في كلامه براءة ابن سبأ من إشعال الفتنة، ويصر على أنه لم يثر الفتنة، ولم يحركها، وأقصى ما يقول فيه: إنه استغل الفتنة، ودعا إلى ما دعا إليه بعد قيامها (1).
ولست أدري قبل أن أناقش هذا الكلام إن كان الدكتور طه حسين يعتقد حقاً ما قاله عن ابن سبأ أم أنه يريد به إخفاء الدور الخطير الذي قام به وصرف الناس عنه، ولكي نكون منصفين لا بدّ أن نحمل دفاع الدكتور عن ابن سبأ على أحسن الوجوه وأجمل المحامل، ثم نرى بعد ذلك وجه الحق في هذا الرجل المتهم.
ولا بدّ كذلك أن نعتبر ابن سبأ هذا بريئاً حتى تثبت إدانته، وعندئذٍ لا بدّ أن يكون الإنصاف ألا نحمل رجلاً تبعة عمل دبره وقام به، أو نثبت براءته، وحينئذٍ لا بدّ أن نعلن هذه البراءة على صفحات التاريخ.
إن أول دليل يقدمه الدكتور طه حسين على أن ابن سبأ ليس له ضلع في فتنة عثمان -رضي الله عنه- وليس هو المحرض عليها، أن ابن سعد في الطبقات لم يذكره، وكذلك البلاذري في أنساب الأشراف لم يشر إليه، ويعتبر الدكتور طه أن المصدرين السابقين هما أوسع المصادر التي تناولت الموضوع بالتفصيل والتدقيق.
والحق إنها شبهة قوية تعترض الباحث المحقق، ولكن إذا علمنا أن المصدرين المذكورين لم يذكرا كل شيء عن أحداث هذه الفترة من الزمان، بل فاتهما كما فات غيرهما أشياء أجمع عليها المؤرخون الذين جاءوا بعدهم، وهم عدول ثقات، لو علمنا ذلك لهان الخطب وسقطت الحجة، وأصبحت غير واردة في الموضوع.
ثم يقول الدكتور: ولست أدري أكان لابن سبأ خطر أيام عثمان أم لم يكن؟ ولكني أقطع بأن خطره، إن كان له خطر ليس ذا شأن.
…
__________
(1) الفتنة الكبرى (عثمان) ص: 132 - 134.