117…إن هذا الكلام فيه اسراف كبير في تهوين أمر ابن سبأ، ونحن لو سلمنا أنه لم يكن له خطر في الفتنة، فكيف لا يكون له خطر في هذه الأفكار الغريبة التي أحدثها في تاريخ المسلمين، لأن الأفكار التي حاول بثها في نفوس المسلمين تمس عقيدتهم، وتدخل على دينهم ما ليس فيه، والمؤرخون مجتمعون على أن ابن سبأ أفشى هذه الأفكار ورددها على مسامع المسلمين في خلافة عثمان -رضي الله عنه-.
ونحن لا نسلم مطلقاً بأنه ليس من آثار الفتنة، فبين أيدينا مؤلفات الثقات من المؤرخين، يصرحون فيها بدور ابن سبأ الخطير في تلك الفتنة الهوجاء.
فالطبري يقول: إن ابن سبأ لما أظهر القول بالرجعة وقال بأن علياً هو وصي محمد -صلى الله عليه وسلم- أخذ يحرض على عثمان، ويقول: إن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، وهذا وحي رسول الله - يريد علياً - انهضوا إلى هذا الأمر فحركوه، وابدأوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر (1).
وابن كثير يروي أن ابن سبأ كان يحرض الناس على عثمان ويقول: أخذها بغير حق وعليّ وصي رسول الله، فهو أحق بالخلافة من عثمان (2).
والمقريزي يذكر أن ابن سبأ هو الذي أثار فتنة عثمان، وتكلم عن الرجعة والوصية (3).
ويروي ابن عساكر عن الشعبي أن ابن سبأ كان يكذب على الله ورسوله، ويذكر أنه كان ينتقص أبا بكر وعمر -رضي الله عنه- وأن علياً هم بقتله، فتوسط له الروافض فنفاه إلى المدائن (4).
…
__________
(1) تاريخ الأمم والملوك (4/ 340 - 341).
(2) البداية والنهاية (7/ 168).
(3) الخطط (3/ 263).
(4) تهذيب تاريخ ابن عساكر (7/ 429 - 430) وغير هؤلاء كابن الأثير والعسكري، وممن كتب في أصول الدين كالشهرستاني والأشعري والأسفرائيني وغيرهم.