118…ونحن أمام هذه الأقوال الصريحة لمؤرخين ثقات لا نستطيع أن نوافق على أن ابن سبأ لم يكن له خطر ذو شأن في فتنة عثمان، نعم نحن لا نستطيع أن ترك هذه الأقوال الصريحة لتتبع الدكتور طه حسين في استنتاج استنتجه لا ندري أوافقه الصواب فيه أم جانبه؟.
ويترك الدكتور طه حسين اتصال ابن سبأ بأبي ذر، وتحريضه على معاوية، ويرى أن هذا القول يعيد كل البعد إذ كيف يقبل أبو ذر -رضي الله عنه- قول ابن سبأ، ويرد قول كعب الأحبار الذي هو أقدم إسلاماً، وأكثر صحبة لعمر وعثمان -رضي الله عنهما-؟.
والأمر ليس كما يصوره الدكتور، وتلقي أبي ذر من ابن سبأ، ورفضه لرأي كعب الأحبار جائز جداً، ذلك لأن أبا ذر قد اتخذ لنفسه مذهباً خاصاً في المال لم يوافقه عليه أحد من الصحابة، وقد استغل ابن سبأ ميل أبي ذر فأتاه من حيث يهوى، وهو حينئذٍ لم يلقنه شيئاً لا يعرفه، ولكنه ذكره بأمر ينادي به، وساقه إليه بصورة مثيرة جعلته يعاتب معاوية -رضي الله عنه- فيه، ونسوق هنا الموضوع كما رواه الطبري وابن الأثير.
لما ورد ابن السوداء (عبد الله بن سبأ) الشام لقيَ أبا ذر فقال: يا أبا ذر، ألا تعجب إلى معاوية يقول: (المال مال الله، ألا أن كل شيء الله) كأنه يريد أن يعتجنه دون المسلمين ويمحوا أمم المسلمين.
فأتاه أبو ذر فقال: ما يدعو لعلمي أن نسمي مال المسلمين (مال الله)؟ قال معاوية: يرحمك الله يا أبا ذر ألسنا عباد الله، والمال ماله، والخلق خلقه والأمر أمره؟ قال أبو ذر: فلا نقله.
قال معاوية: فإني لا أقول أنه ليس الله، ولكني سأقول مال المسلمين (1).
هذه قصة اتصال ابن سبأ بأبي ذر، ونحن لا نرى فيها إلا موافقة…
__________
(1) الكامل (3/ 114 - 115).