كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

119…لمذهب أبي ذر واستثارة له ليخرج على معاوية وبختلف معه، وقد ذهب أبو ذر إلى معاوية، وكلمه في ذلك، ولكن معاوية أفسد على ابن سبأ حيلته بحكمته التي اشتهر بها، وأجاب أبا ذر إلى ما طلب، فرضى أبو ذر وانصرف.
ويبدو أن انتهاء الموضوع بهذه النتيجة لم يرض ابن سبأ، فذهب إلى رجل من أصحاب رسول الله اشتهر بالزهد والورع والتقوى، هو أبو الدرداء، وكلمه فيما كلم فيه أبا ذر، ولكن أبا الدرداء كان لا يدين - مع زهده - بهذا المذهب، فقال لابن سبأ: من أنت؟ أظنك والله يهودياً.
ولم يسكت ابن سبأ، بل ظل يحرك، ويتصل بالصحابة، ويذهب إليهم ليثيرهم ضد معاوية، فكلم عبادة بن الصامت بعد أبي الدرداء، فتعلق به عبادة، وذهب به إلى معاوية، وقال له: هذا والله الذي بعث عليك أبا ذر (1).
وهذه الرواية التي رواها جلة المؤرخين الموثوقين تدين ابن سبأ بما لا يدع معه مجالاً للدفاع عنه، ولو أنه كان حسن القصد، سليم النية، لُما كررها بتلك الطريقة التي جعلت أبا الدرداء يرده إلى أصله اليهودي، وعبادة يسلمه إلى معاوية.
وأما قصة أبي ذر مع كعب الأحبار فإنها تختلف تماماً حيث كان كعب الأحبار ضد طريقة أبي ذر ورأيه في المال، فإن أبا ذر لما دخل على عثمان بعد رجوعه من الشام قال: لا ينبغي لمن أدى الزكاة أن يكتفي بذلك حتى يعطي السائل، ويطعم الجائع، وينفق من ماله في سبيل الله.
فقال كعب الأحبار - وكان حاضراً-: من أدى الفريضة فحسبه.
عندئذٍ غضب أبو ذر، وقال لكعب: يا ابن اليهودية، ما أنت وهذا؟ أتعلمنا ديننا؟ ثم وجأه بمحجنه (2).
إن أبا ذر لم يغضب لأن كعب الأحبار هو الذي رد عليه، ولكنه غضب…
__________
(1) نفسه.
(2) الكامل (3/ 115).

الصفحة 119