كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

121…الخليفة عمراً، وجمع الحرب والخراج لعبد الله.
وقدم عمر على الخليفة في المدينة، وسأله الخليفة عن سبب استعفاء المصريين منه، فقال عمرو: والله يا أمير المؤمنين ما كنت منذ وليتهم أجمع لأمري، ولا احسن سيرة معهم مني منذ كرهوني وما أدري من أين أتت (1)؟.
وإننا لنرى في كلام عمرو -رضي الله عنه- دليلاً واضحاً على أن هناك مؤمرات تدبر في الخفاء إذ كيف يكرهه أهل مصر وسيرته فيهم سيرة حسنة، وهو والٍ عليهم منذ عهد عمر ولم ينكر عليه أحد شيئاً، بل كانوا راضين عنه غاية الرضا؟.
أليس استعفاء المصريين من عمرو، وطلبهم من الخليفة إبعاده عنهم - وهو الرضي المحبوب فيهم - دليلاً على أن النفوس قد تغيرت، وأن هناك نفوساً خبيثة تلعب بالبسطاء في الخفاء.
ونحن نتساءل لماذا لم تحدث هذه القلاقل إلا في تلك الفترة بالذات؟ ولماذا لم تكثر الشكاية من أمراء لم يشتك منهم أحد قبل ذلك إلا بعد دخول ابن سبأ في الإسلام؟؟.
هل هي الفتنة التي يشعلها المتمردون، أم أن الناس قد تغيروا، وتغيرت بهم الأوضاع كما يقول الدكتور طه حسين؟؟.
لا أعتقد أن التغير يصل فجأة إلى هذا الحد المشتعل، ولكن التغيير في النفوس يحدث عادة ببطء وعلى مدى بعيد من الزمن، ما لم تحدثه أيدٍ خبيثة ونفوس شريرة، تشعل فتيله، وتصب النفط على جمرة ليزداد لهيبه.
لقد كان الناس - إلى نهاية عام اثنين وثلاثين من الهجرة، أي بعد خلافة عثمان -رضي الله عنه- بتسع سنوات تقريباً - راضين كل الرضا عن عثمان، نعم، كانوا يطلبون منه تغيير أمير بأمير آخر، لأن الأمير الأول في نظرهم اشتد عليهم، وهم يلمسون لينا ورحمة من الخليفة فيطمعون في أن…
__________
(1) نفسه.

الصفحة 121