124…عملنا، ويظهر الائتمار بالمعروف والطعن فلا يرده علينا)، إلا تصريحاً من ابن سبأ بقصده في إيغار صدور الأمراء على الخليفة وتمردهم عليه لعزلهم.
وبقيت لدينا حجة ساقها الدكتور طه حسين ليثبت بها صحة ما قاله عن ابن سبأ من أنه ليس أصلاً في فتنة عثمان، وليس له شأن يذكر فيها، يقول الدكتور: (وما كان المسلمون في عصر عثمان -رضي الله عنه- ليستخفهم رجل كعبد الله بن سبأ فيسمعوا له ويطيعوا، ولماذا لم يخبر المسلمون الخليفة) بما يفعل ابن سبأ؟ وكيف أفلت ابن سبأ من أعوان الخليفة وامرائه؟ ولو أن أحدهم أخذه لم يتركه دون أن يقتله وقد كان هؤلاء أبرع ما يكونون في التخلص من أعدائهم (1).
ويمكن أن تكون هذه حجة قوية للدكتور طه حسين لو صح أن ابن سبأ استخف كبار الصحابة، وأثر عليهم ولكن ابن سبأ لم يستطع أن يؤثر في أحد منهم، ولم يجد مذهبه أعواناً في البلاد التي سكنها كبار الصحابة كالحجاز والشام.
ولهذا لما حاول تحريض أبي الدرداء -رضي الله عنه- على معاوية قال: من أنت؟ والله ما أظنك إلا يهودياً، ولما أراد تكرار المحاولة مع عباده ابن الصامت -رضي الله عنه- أمسك به وذهب إلى معاوية، وقال له: هذا الذي حرض عليك أبا ذر.
ولما لم يجد بن سبأ رواجاً لمذهب بين كبار الصحابة والفقهاء من المسلمين وخاف أن ينكشف أمره بينهم، ذهب إلى البلاد التي سكنها قوم لم يتغلغل الإيمان في قلوبهم، ولم تستقر حقيقته في نفوسهم فتوجه إلى الكوفة ثم إلى البصرة ثم إلى مصر حيث أقام هناك.
وابن سبأ في كل تصرفاته كان يتذرع بالإيمان، ويخفي الكفر، يتقي بذلك التعرض للعقوبة لأنه متى أعلن الإيمان حقن دمه، ولهذا لما كشف…
__________
(1) الفتنة الكبرى (عثمان) بتصرف ص: 90.