125…عبد الله ابن عامر والي البصرة أمره، وسأله، من أنت؟ قال: رجل من أهل الكتاب آمن بالله، ودخل في الإسلام واحب جوارك.
ولكن ابن عامر لم يقبل منه هذا الكلام وقال له: أخرج عني، وطرده من البصرة.
حاله حتى لا يتعرض للعقوبة (1):
ويظهر لي من دراسة أحوال ابن سبأ وتصرفاته أنه كان لا يجهر بشيء من آراءه إلا لمن يثق فيه، وقد كان هؤلاء يدافعون عنه، ويشهدون له، ويسترون عليه ويبدو أنه قد لجأ إلى ذلك بعد أن انكشف أمره مع أبي الدرداء وعبادة رضي الله عنهما- وبعد أن أخرجه عبد الله بن عامر من البصرة ومعاوية من الشام.
إن عبد الله بن سبأ ليس خرافة يمكن للمؤرخ أن يتغاضى عنها كما يتغاضى عن كثير من الأحداث التي أدخلت على التاريخ، وليس أسطورة يمكن أن يسكت عنها المؤرخ كشيء لا أصل له، ولكنه حقيقة، دخل التاريخ كما دخله أصحاب المبادئ المدمرة والمذاهب الهدامة.
ليس هناك إنسان مهم كان قوي الحجة، واضح البيان، ساطع البرهان ينكر وجود ابن سبأ كشخص أثر في أحداث التاريخ فترة من الزمن طالت أم قصرت ووجه مسيرته في وقت ما توجيهاً حسناً ام سيئاً، اعترف بذلك مؤرخو أهل السنة، كما صرح به كتاب الشيعة.
وكذلك ليس هناك أحد يستطيع أن ينسب الأفكار الفاسدة التي أدخلت على المسلمين إلى غير ابن سبأ ببرهان مقبول، فجميع العلماء الذين كتبوا في أصول الدين، وجمهور المؤرخين يؤكدون نسبتها إلى ابن سبأ، كما يؤكدون أنه أول من تكلم بها وأول من أظهرها.
إن قول ابن سبأ برجعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووصاية علي -رضي الله عنه-…
__________
(1) إن عبد الله بن أبي سرج في مصر قد تنبه لما يديره ابن سبأ، فكتب إلى عثمان -رضي الله عنه- يستأذنه في قتل ابن سبأ وأتباعه قبل أن يستفحل أمرهم، فرفض عثمان رأي ابن أبي سرج وقال: دعهم ما لم يخلعوا يداً من طاعته (تهذيب تاريخ ابن عساكر 7/ 429).