كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

126…والمغالاة فيه إلى حد الألوهية، وادعاء أن الجزء الإلهي يتناسخ في الأئمة بعد علي -رضي الله عنه- دليل واضح على الانحراف العقيدي الذي أراد ابن سبأ أن يلبس به على المسلمين، لا يمكن أن يكون ابن سبأ قال هذا القول، وأصر على هذا الانحراف بحسن نية، أو يجهل لما يقول، إذ لو قاله بحسن نية لعدل عنه عندما نبه الإمام علي نفسه، وقال له: اتق الله، وهو يصر على مقالته، حتى قال للإمام علي -رضي الله عنه-: (أنت خلقت الخلق، وبسطت الرزق) وحتى هم الإمام بقتله لولا تدخل بعض الشيعة وتحذير الإمام علي من فتنة هوجاء بسبب قتله، وأشاروا عليه بنفيه إلى المدائن ففعل (1).
ولو كان قوله عن جهل لا رعوى حينما يشعر بإنكار الناس لما يقول، ولما أصر عليه، ولطلب من غيره أن يعلمه وجه الحق فيه.
لا يمكن إذن إلا أن يكون ابن سبأ قد قال ما قال بسوء نية معتمداً إفساد عقيدة المسلمين بإدخال هذه الخرافات التي نقلها من المزدكية والبرهمية والفلاسفة والصابئة (2).
هل يستطيع عاقل بعد ذلك أن ينكر أن ابن سبأ اعتنق الإسلام ليهدمه على رؤوس المسلمين؟ وهل يشك شاكٍّ بعد ما ثبت سوء قصد ابن سبأ في أنه هو رأس الفتنة التي أطاحت بإمام المسلمين؟؟.
إن ابن سبأ يعلم تماماً أن الإمام هو نظام عقد الأمة، وهو النجاة من الفوضى والسد المنيع الذي يحول بين الأمة وبين التردي في الباطل، فلماذا لا يدمر هذا النظام ويخرق تلك النجاة ويهدم هذا السد، حتى يصل إلى مآربه وهو آمن؟؟.
ذلك هو ابن سبأ من أقواله التي نقلها المؤرخون وأهل المذاهب من غير تجن ولا افتراء ولندع للتاريخ يعد ذلك أن يحكم عليه بما يستحق.

__________
(1) تهذيب تاريخ ابن عساكر (7/ 430).
(2) الملل والنحل (1/ 175).

الصفحة 126