كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

129…وتحركت نفسه للإمارة لما ولى عثمان الوليد بن عقبة على الكوفة، عندئذٍ اعتقد الأشتر أنه أكفأ من الوليد، وأنه أهل للرئاسة والولاية، وبخاصة وأنه كان رئيس قومه (1).
والذي يظهر أن الأشتر كان لا يرى الوليد أطفأ وأحق بالولاية، فطعن عليه وعلى الخليفة، وتورط مع المتورطين، ولهذا لما ظهرت الوشاية بالوليد، واتهم بما اتهم به أسرع إلى المدينة، وكأنه كان يريد أن يبعد الشبهة عن نفسه، حتى لا يرمى بتدبير المؤامرة ضد الوالي، ومن جهة أخرى كأنه كان يريد أن يري نفسه للخيفة لعله يختاره عوضاً عن الوالي المعزول.
ولست مع القائلين بأنه ذهب إلى المدينة لتوسيع الهوة بين الوالي والخليفة، أو لتوسيع الفتنة وتحريكها، وذلك لأننا لم نلمس له أثراُ بذكر في تلك الفترة التي مكثها في المدينة حتى عين الخليفة سعيد بن العاصي والياً على الكوفة بدلاً من الوليد.
ولما لم يحظ بتعيين الخليفة له على الكوفة، وجدناه يسير إليها في ركاب الوالي الجديد طمعاً في أن يتحفه بعمل من وظائف الدولة فيها، وإذا كانت الولاية قد فاتته فيجب ألا يفوته كل شيء.
ولعل سعيد بن العاصي الوالي الجديد على الكوفة قد فطن لما يطمع فيه الأشتر، فاتخذه من خاصته وسماره، وحدث يوماً في مجلس الوالي أن تخاصم عبد الرحمن بن خنيس الأسدي مع الأشتر، وغضب الأشتر وجماعته وضربوا عبد الرحمن بن خنيس الأسدي مع الأشتر، وغضب الأشتر وجماعته وضربوا عبد الرحمن ووالده في مجلس سعيد، وعلم بنو أسد قوم عبد الرحمن، فحضروا وأحاطوا بالقصر يريدون الانتقام لصاحبيهما، ولكن الوالي تصرف بحكمة وأنهى الخلاف.
وساء هذا الاعتداء من الأشتر وجماعته أشراف الكوفة والصالحين من أهلها فكتبوا إلى الخليفة ليبعدهم عن بلدهم، فأخرجهم الخليفة إلى الشام،…
__________
(1) المرجع نفسه.

الصفحة 129