كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

13…حيث كان المشركون يعترفون به ولم يجحدوه.
وإنني أعتقد أن الآيات المباركات أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأسلوب لتدل على أمرين هامين:
الأول:
لبيان أن العقيدة الصحيحة لا تحصل بالتقليد والأخذ عن الغير، وإنما تحصل بالأدلة العلمية القاطعة التي غالباً ما تكون عن طريق التعلم الحاصل بوسائله المعلومة والتي أشهرها القراءة والكتابة.
الثاني:
لبيان أن القراءة والكتابة وتحصيل العلم من الأمور المهمة في الإسلام فينبغي تحصيلها والعمل على اتقانها، وإذا علمنا ذلك فإننا لا نستغرب حين نعلم أن السورة التي تلت هذه الآيات في النزول هي سورة القلم التي مطلعها: (ن والقلم وما يسطرون).
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة، ثم يزيد الله فيها ما يشاء، وكان أول ما نزل من القرآن (إقرأ باسم ربك) ثم القلم ثم المزمل ثم المدثر (1).
وهكذا نرى أن سورة (ن والقلم وما يسطرون) نزلت تؤكد المعنى الذي سبق ذكره في السورة التي قبلها - سورة العلق - فالله - عز وجل - يقسم بالقلم وما يسطره الكاتبون به لما فيه من كثرة الفوائد للإنسان، فيه تدون العلوم، وبه تكتب العقود، وبه تحدد آجال الديون، وبه تسطر العهود، وبه تضبط الشروط، إلى غير ذلك من الفوائط الجليلة التي لا تحقق إلا بواسطة القلم.
ولم يقتصر الإسلام على الدعوة إلى التعلم بواسطة القرآن الكريم والسنّة النبوية، بل اتخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطوات عملية لتحقيق تلك الغاية،…
__________
(1) فتح القدير (5/ 266).

الصفحة 13