136…أبعد الحدود، وتسخيرهم لخدمة الأغراض التي يقتنعون بصحتها.
وهناك جانب آخر لا يصح أن يغفل في مثل هذه المناقشة، وهو جانب تغلب المضريين وأهل الحجاز على الجزيرة واستبدادهم بألمر فيها دون أهل اليمن، وقد كان اليمنيون أصحاب الحضارة القديمة التي ورثوها عن أجدادهم هم أصحاب الكلمة العليا في شبه الجزيرة قبل تغلب المضريين بخاصة وعرب الحجاز بعامة هلى الأوضاع.
ويبدو أن ابن سبأ - وهو الخبير باليمنيين وطبائعهم - قد استغل هذا الجانب، كما استغل الوازع الديني بما أثاره من أفكار دخيلة على الإسلام، وأقنعهم بأنها من صميم الإسلام.
ونلاحظ كذلك أن الذين تسوروا على عثمان -رضي الله عنه- وارتكبوا الجريمة من اليمنيين المقيمين في مصر حيث كان يقيم ابن سبأ، وهذا مما يدل بوضوح على أن ابن سبأ كان ذا أثر فعّال في ارتكاب الجريمة، وإن لم يشهدها، وأنه شريك في إثمها وإن غاب عنها.
إن أول من دخل الدار على الخليفة كنانة بن بشر، وأول من اعتدى عليه كنانة بن بشر (1)، وهو يمني مقيم في مصر.
ومن الذين دخلوا الدار وضرب الخليفة بحديدة كانت في يده الغافقي بن حرب (2)، وهو كذلك يمني مقيم في مصر.
ومن الذين دخلوا الدار، ونادى في الناس قد قتلنا عثمان ابن عفان سودان بن حمران (3)، وهو أيضاً يمني مقيم في مصر.
وقد أثبت المؤرخون (4) صلتهم جميعاً بابن سبأ، وتأثرهم به، وتلقيهم عنه.
ولم نعلم أحداً ممن قدموا من الكوفة أو البصرة ودخل على عثمان أو اشترك في قتله، فإنهم بمجرد وصولهم إلى المدينة اعتزلوا يقول ابن جرير:…
__________
(1) الطبري (4/ 380، 393).
(2) المرجع نفسه (4/ 391).
(3) المرجع نفسه (4/ 379).
(4) كالطبري وابن الأثير وابن كثير.