كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

137…اعتزل الأشتر واعتزل حكيم وكان الحصار من أهل مصر (1).
ولما استغل ابن سبأ عصبية هؤلاء الناس، ونزعتهم الدينية سواء المتطرفة منهم كما في مالك بن الحارث (الأشتر) أو المعتدلة كما في عبد الرحمن بن عديس، استغل كذلك حبهم للرئاسة وتطلعهم إليها، فجعلهم قواداً على فرق الثائرين، وأغراهم بالمناصب والجاه بعد القضاء على الخليفة.
يقول الأستاذ محب الدين الخطيب - رحمه الله-: الذين اشتركوا في الجناية على الإسلام يوم الدار طوائف على مراتب: فيهم الذين غلب عليهم الغلو في الدين، فأكبروا الهنات، وارتكبوا في إنكارها الموبقات.
وفيهم الذين ينزعون إلى عصبية يمنية على شيوخ الصحابة من قريش، ولم تكن لهم في الإسلام سابقة، فحسدوا أهل السابقة من قريش على ما أصابوا من مغانم شرعية جزاء جهادهم وفتوحهم، فأرادوا أن يكون لهم مثلها بلا سابقة ولا جهاد.
وفيهم الحمقى الذين استغل السبأيون ضعف عقولهم، فدفعوهم إلى الفتنة والفساد والعقائد الضالة.
وفيهم المتعجلون بالرئاسة قبل أن يتأهلوا لها اغتراراً بما لهم من ذكاء خلاب أو فصاحة لا تغذيها الحكمة، فثاروا متعجلين بالأمر قبل إبانه.
وبالإجمال فإن الرحمة التي جبل عليها عثمان -رضي الله عنه- وامتلأ بها قلبه أطمعت الكثيرين فيه، وأرادوا أن يتخذوا من رحمته مطية لأهوائهم (2).
ونحن لو نظرنا إلى هؤلاء النفر من جانب آخر لوجدنا أنهم جميعاً لا سابقة لهم يعتزون بها، ولا تقوى عرفوا بها فينتهون إليها، وليس لواحد منهم…
__________
(1) الطبري (4/ 378).
(2) حاشية العواصم ص/ 51.

الصفحة 137