كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

139…فقد روى المؤرخون أن السبأيين لما أشاعوا ما أشاعوا في البلاد، وبلغ أمير المؤمنين مقالتهم، جمع وجوه الصحابة وأهل الرأي منهم وبخاصة أعضاء مجلس الشورى الذين رشحهم عمر -رضي الله عنه- للخلافة، وتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ، وعرض عليهم الأمر وطلب منهم الرأي، وقال: ((أنتم شركائي، وشهود المؤمنين فأشيروا عليّ)).
فأشاروا عليه بأن يرسل رسلاً إلى الجهات المختلفة يستطلعون الأخبار، ويأتونه بحقيقة الحال، واقتنع الخليفة بالرأي، واختار من الصحابة أربعة وهم ولا شك محل ثقته، ولولا ذلك ما اختارهم ليكونوا مندوبين عنه وعيوناً له على أمرائه.
وهؤلاء الأربعة هم: محمد بن مسلمة للكوفة، واسامة بن زيد للبصرة، وعبد الله بن عمر للشام وعمار بن ياسر لمصر (1).
إن اختيار الخليفة لعمار -رضي الله عنه- ضمن هؤلاء الأربعة لأكبر دليل على أن الخليفة لم يكن بينه وبين عمار خلاف شخصي، ولا خصومة ذاتية، وإنما كان الخلاف بسبب تأديب الخليفة لعمار على بادرة بدرت منه مع عباس بن عتبة بن أبي لهب كما روى الطبري (2).
ولهذا لم يترك الحادث في نفس عثمان أي أثر، بل نسبه على علاته، ووقع اختياره على عمار ليكون محل ثقته في نقل أخبار مصر إليه.
وعاد الرسل من الجهات التي أرسلوا إليها، وكان جواب الجميع (ما علمنا عن أمرائك إلا خيراً) (3) وتخلف عمار في مصر، فلم يرجع على الخليفة، وأرسل عبد الله بن أبي سرج يشكو عماراً إلى الخليفة ويبين له أن دعاة الشر قد التفوا حوله واستمالوه.
وأرسل الخليفة إلى عمار، وأحضره إلى المدينة معززاً مكرماً وعاتبه…
__________
(1) الخليفة المفتري عليه ص: 68.
(2) (4/ 346).
(3) الكامل (3/ 155).

الصفحة 139