كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

141…يتحملها أحد، فقد كان محمد يؤلب عليه، ويحرض على خلعه، ويزور الكتب على لسان أمهات المؤمنين يدعو فيها إلى الثورة على عثمان (1).
إن عثمان قد ضحى بدمه، وقدم روحه فداءً لمبادئه، وكان باستطاعته أن يسكت هذا الربيب الأبق بتوليته عملاً من أعمال الدولة، ولكن هيهات وهو غير كفؤ في تقدير عثمان.
كان باستطاعة الخليفة أن يتقي شر ذلك المحرض الأثيم، وأن يصطنعه يداً له يدفع به الثائرين لو أنه كان يستبيح لنفسه تولية غير الأكفاء.
أفبعد هذا الموقف الجريء، وبعد هذه التضحية العظيمة يستطيع إنسان أن يثبت أن الخليفة كان يولي أقاربه ولو كانوا غير أكفاء.
؟؟ لقد ألب المتمردون الأغرار من الناس على الخليفة، وخرجوا بهم في فرق نتظمة، من مصر ومن البصرة ومن الكوفة، وكل جماعة منهم أربع فرق، على كل فرقة قائد، وساروا جميعاً في موسم الحج يظهرون غير ما يضمرون، ويخفون خلاف ما يعلنون، واجتمعوا في المدينة.
نزل أهل البصرة بذي خشب ونزل ثوار الكوفة بالأعوص، كذلك نزل أهل مصر بذي المروة ودخلوا المدينة، وأتوا بيت الخليفة، وخرج إليهم عثمان -رضي الله عنه- واستمع لما يوجهونه إليه من التهم، ورد عليهم بحجج أثبتت لهم براءته، فحملوا رؤساء الفتنة على الرضا والتسليم، وارتحلوا عن المدينة راجعين إلى بلادهم.
إن أي إنسان يقرأ هذا الكلام وهو كلام مجمع عليه من المؤرخين - لم يشذ منهم أحد - لا يتصور إلا أن هناك مؤامرة، إذ يستحيل أن يخرج جماعة من مصر وجماعة من البصرة وجماعة من الكوفة في وقت واحد، ويقصدون المدينة متظاهرين بالحج ثم يحاصرون الخليفة ويوجهون إليه تهماً يوافق عليها أهل هذه الأمصار جميعاً، دون أن يكون هناك اتفاق مسبق.

__________
(1) المقريزي (3/ 264).

الصفحة 141