142…إن الصدفة وحدها عاجزة عن أن تخرج تلك الرواية بهذه البراعة الفائقة وإن محض التوافق غير قادر على أن يحبك تلك القصة بهذه الدقة الرائعة.
هل الصدفة وحدها قادرة على إخراج أربع فرق من كل مصر من الأمصار الثلاثة؟ وهل الصدفة وحدها قادرة على أن تخرج الجميع في وقت واحد؟؟ وإذا صح هذا فهل يمكن أن تلقن الجميع تهماً واحدة يوجهونها إلى شخص واحد؟؟؟.
إن الشواهد التاريخية كلها، والأحداث الواقعية التي لم يختلف فيها اثنان تدل بوضوح على مؤامرة محبوكة الأطراف، محكمة التدبير، تقف وراءها رؤوس محرضة مدفوعة، لا تريد إلا الفتنة، ولا تبغي إلا التخريب.
ولهذا لما اقتنع الثائرون بما ذكر الخليفة، ورجعوا إلى بلادهم راضين عنه وعن ولاته المحرضون إلى طريق ملتو فسلكوه، ودبروا خطة خبيثة لإعادة الثائرين، فزوروا كتاباً على عثمان، وأرسلوه مع غلام، زعموا أن عثمان كتبه لعامله على مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرج يثبته فيه على مصر، ويطلب منه قتل الثائرين.
وقصة الكتاب هذه قصة تحمل أدلة كذبها بين سطورها، فلسنا في حاجة للبحث عن الأدلة التي تثبت بها تزويرها واختلافها.
يذكر الطبري أن المصريين الثائرين اقنعهم الخليفة بتنفيذ الشبهة التي كانت عندهم ثم رجعوا راضين، وبينما هم في الطريق إذ هم براكب يتعرض لهم، ثم يفارقهم، ثم يرجع إليهم، ثم يفارقهم.
فقالوا له: مالك؟ إن لك لأمراً، ما شأنك؟ فقال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر، ففتشوه، فإذا هم بكتاب على لسان عثمان عليه خاتمه إلأى عامله بمصر أن يصلبهم أو يقتلهم، أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وأنهم لما قرأوا الكتاب عادوا إلى المدينة، وحاصروا بيت عثمان (1).
…
__________
(1) الطبري (4/ 355).