143…إن بعض المؤرخين يحاولون تبرئة عثمان -رضي الله عنه- من تحمل تبعة هذا الكتاب، وفي نفس الوقت يحملون مروان بن الحكم وزره ومسؤوليته، وهم في ذلك يتهمون بغير دليل، ويدينون بغير حجة.
وفي اعتقادي أن الكتاب مزور من أساسه، وليس هناك لدى أي مؤرخ أو كاتب دليل يستند عليه في صحة نسبته إلى عثمان أو إلى مروان.
أما عثمان فقد أنكر علمه بالكتاب، وحلف لهم ما كتب ولا علم ولا أمر بكتابته، فصدقوه، واتهموا مروان، وأما مروان فإنه رجل أريب حكيم، وسياسي لبق، ومثل مروان في كياسته وفطنته لا يورط نفسه في مثل هذا الأمر بهذه الصورة المكشوفة المفضوحة.
إن مروان لو أراد أن يفعل ذلك لحبك الموضوع، واتخذ لكل شيء من الحيطة ما يبعده عن الشبهة إذا لم تنجح الخطة، لم يكن مروان غراً حتى يختار لحمل الرسالة مثل ذلك الغلام الأبله.
إن مروان يعلم أن الرسالة خطيرة في مثل هذا الموضوع، وإن فشل المهمة سيؤدي حتماً إلى قتله وقتل الخليفة فكان عليه للإبقاء على نفسه، ورغبة فب إنجاح قصده، أن يختار غلاماً فطناً ليحمل الرسالة، وأن يسيره في غير طريق الثوار ليضمن وصوله، ويثق من سلامته، وأن يحذره من التعرض لهم ولو طلبوه حتى لا تنكشف خطته.
أما أن يختار غلاماً يعرفه الناس أنه من غلمان الصدقة، ويركبه بعيراً من بعران الصدقة، ثم يسيَّر الغلام في نفس طريق الثوار، ويتعرض لهم ثم يفارقهم ثم يتعرض لهم، ثم يفارقهم، وكأنه يقول لهم خذوني واسألوني، ولما سألوه يقول بصراحة: أنا غلام أمير المؤمنين إلى عامله بمصر هكذا بهذه البلاهة والحماقة، فهذا هو الشيء الذي لا يستطيع العقل تصديقه مهما حلف على صحته الحالفون، وبرهن على صدقه المؤيدون.
ماذا نفهم إذن من قصة الكتاب؟؟.
إن قصة الكتاب ليست إلا طرفاً من أطراف المؤامرة الملعونة ابتكرها…