144…المتآمرون لما أحسوا بفشلهم في الزحف الأول على دار الخليفة ولعلهم خافوا عاقبة اقتناع الناس برأي الخليفة، وظنوا أن الدائرة ستكون عليهم، إنهم دفعوا الناس إلى ما ساروا إليه باسم الحرص على الدين، وحرضوهم على الهجوم على الخليفة بحجة أنه خالف تعاليم الإسلام، فإذا انكشفت الحقيقة، وأدرك المخدعون أن هؤلاء المحرضون يعبثون بهم، ويتلاعبون بعقولهم، ويغامرون بدينهم فماذا تكون النتيجة؟ لا شك أنهم إن يثوروا لدينهم فيسثورون لكرامتهم وحينئذٍ تكون الضحية هم رؤوس الفتنة.
لهذا حرص المتآمرون على تهييج العائدين المقتنعين، ولهذا اخترعوا الكتاب ليكون ذريعة يتذرع بها الثائرون.
ويظهر من تتبع أحداث التاريخ في نفس القصة، وفي غيرها أن هذا الكتاب ليس أول كتاب يزور على المسؤولين، فقد زورت كتب قبله، وزورت كتب معه لقد زور معن بن زائدة كتاباً على أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- وأخذ به مالاً من خراج الكوفة (1).
أما في الثورة على الخليفة المظلوم فقد زورت كتب كثيرة، زور محمد ابن أبي حذيفة كتاباً على لسان أمهات المؤمنين (2)، وزور غيره كتباً على لسان طلحة والزبير وعلي -رضي الله عنهم (3) - ولقد روى المؤرخون أن هؤلاء الذين كتبت الكتب على ألسنتهم كانوا كلما واجههم أحد بذلك أنكروا وحلفوا أنهم ما كتبوا شيئاً.
روى ابن عساكر والمدايني أن مروان ابن الحكم قال لعائشة -رضي الله عنها- هذا عملك كتبت إلى الناس تأمرينهم بالخروج على عثمان، فقالت: والذي آمن به المؤمنون، وكفر به الكافرون ما كتبت إليهم بسواد في بياض حتى جلست في مجلسي هذا.
…
__________
(1) الأوائل ص: 141.
(2) المقريزي (3/ 264).
(3) ابن كثير (7/ 173).