كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

151…كبار الصحابة كالزبير ابن العوام، وأبي هريرة، وزيد بن ثابت، أن يرى الثوار أن الخليفة القادر على دفعهم -إذا أراد- بجيوش المسلمين، قد كفّ يده عنهم، وأنه يواجههم وحده، فيستحون، ولا يجردون له السلاح، ويمسكون عن القتل والقتال، ولعله أراد غيره هذا وذاك.
إن المسلمين لو كانوا يعلمون أن الثورة ستفضي إلى قتل الخليفة ما أسلموه، ولدافعوا عنه بكل ما يملكون، ولن يستطيع ألف أو أربعة آلاف غرباء أن يتغلبوا على عشرين أفلاً كانوا يسكنون المدينة في ذلك الحين (1).
ومهما يكن من أمر فقد قضي الأمر، واستغل الثوار بدناءة وخسة وجود الخليفة أعزل إلا من الإيمان، وحيداً إلا من زوجة البارة وبعض عبيده، ودخلوا عليه داره التي طالما آوت المستضعفين، وردت فيها جوعة الجائعين، وسلوا سيوفهم، وقتلوه في وحشية وضراوة، لم يحترموا المصحف الذي كان بين يديه، ولم يرقّوا لشيخوخته، ولم يرحموا ضعفه ووحدته.
لقد ضاعت كل المحاولات التي بذلها الخليفة لحقن الدماء هباء، ولكنه حقن بدمه الزكي دماء لأمته كان يحتمل أن تهدر هدراً، وأن تضيع سدى.
لم يكن قتل الخليفة هو غاية الثوار كما يزعم كثير من السطحيين، وإلا لهان الأمر وسكنت الفتنة واستبدل خليفة بخليفة، وعادت المياه إلى مجاريها، ولكن غاية الثورة كانت أبعد غوراً من قتل الخليفة، وأعمق أثراً من الاستبدال به غيره.
وماذا يجني الثوار من قتل الخليفة إذا اجتمع المسلمون على خليفة آخر؟، وكيف يتحقق لهم هدم هذا الصرح الشامخ إذا هدأت العاصفة، وتمكن المسلمون من رأبِ صدعهم وجمع شملهم، وعادوا كما كانوا أخوة متحابين؟؟.

__________
(1) المرجع نفسه ص: 102.

الصفحة 151