155…
أثَرُ الثّورَة في المَدينَةِ
ظلت المدينة المنوّرة زهاء خمس وثلاثين سنة عاصمة للدولة الإسلامية وشاركت المسلمين شدتهم ورخاءهم، وعسرهم ويسرهم، وعاصرت أعظم تطور حضاري عرفته الجزيرة العربية في تاريخها الطويل، ونمت نمواً طبيعياً لا طفرة ولا انتكاسة حتى بلغت أوج جدها.
وواكبت المدينة في تلك الفترة التقدم الذي أحدثه الإسلام في العالم، فلم تتخلف عن الركب ولم تشذ عن الطريق، وازدهرت فيها الحياة بأوضاعها المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية - واستمتع الناس بأمن سابغ لم يكن لهم معرفة سابقة، ونعم الناس برخاء ليس لهم به عهد، وأصبحت بذلك المدينة محط الأنظار كعاصمة لأعظم دولة عرفها التاريخ في القديم والحديث.
ولم تزل المدينة تحكم وتوجه، وتخطط وتنظم، وتقود الجيوش وتفتح البلاد ولا يزال عهدها الميمون في علو وارتفاع حتى فشت فيها الفتنة، واشتعلت نارها.
عندئذٍ توقف المد الذي كان يدفعه الخلفاء ويشجعون على مواصلة السير فيه، وتوقفت بالتالي معالم الحياة المزدهرة النامية، وتلبد الجو بسحب كثيفة حالت بين الناس وبين رؤية النور الذي كانوا يهتدون بضوئه ليروا طريقهم إلى التقدم والمجد.
ورغم الآثار السيئة التي خلفتها الثورة النكدة في جميع أنحاء الدولة…