156…القريبة منها والبعيدة إلا أن تلك الآثار كانت أشد وأنكى على العاصمة الإسلامية المدينة المنوّرة - من أي بقعة أصابتها الفتنة.
وقد تأثرت الحياة في المدينة المنوّرة بتلك الفتنة من جوانبها المختلفة، إلا أن التأثير في الجانبين السياسي والاقتصادي كان أكثر وضوحاً، وأعظم فداحة من غيرها.
التحويل السياسي:
بدأت المدينة حياتها هي الدولة وهي عاصمة الدولة، وذلك حين لم يكن في الجزيرة كلها قرية تدين بالإسلام غيرها، وظلت كذلك ثمانية أعوام صامدة تتحدى مكة بجبروتها وكبرياء أهلها، ودخلت معها في صراعات متعددة، وكانت في كل مرة تثبت جدارتها وتفوقها، ووقفت الجزيرة كلها تترقب نتيجة هذا الصراع، وتنتظر لمن تكون الغلية فيه فلما كان شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة دخلت المدينة في تحد سافر وصراع عنيد مع مكة في معركة فاصلة، وكانت الغلبة للعاصمة الجديدة وأذعنت مكة لسلطان المدينة، وبالتالي خضعت الجزيرة العربية كلها للعاصمة الإسلامية.
وأصبحت المدينة قبلة الأنظار ومحط الآمال، وغادر الرسول مكة عائداً إلى معقل المسلمين الأول، يدير من خلالها شؤون الجزيرة، ويمد نفوذها أحياناً إلى خارجها.
وبعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- انتكست الجزيرة، وأوغلت في الردة ولم تعترف بسلطان المدينة عليها، ولكن الخليفة الأول أخضعها طوعاً وكرهاً لسلطان العاصمة وقضى على هذا التمرد، ولم يفارق -رضي الله عنه- الحياة حتى أعاد للمدينة نفوذها ومكانتها في النفوس.
وفي عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- امتد سلطان المدينة على أكبر وأوسع رقعة عرفها التاريخ، تصرف أمورها عاصمة واحدة، وذلك حين ضمت الدولة الإسلامية بلاد الفرس وبلاد الروم تحت سلطة خليفة المسلمين.
…