كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

157…لقد بلغت رقعة الدولة الإسلامية حينئذٍ من بحر قزوين وأذربيجان شمالاً إلى المحيط الهندي وبحر العرب جنوباً، ومن بحر عمان ومكران وسبجستان شرقاً إلى البحر المتوسط ومصر والنوبة غرباً.
إنها رقعة لم تقع في حيازة دولة واحدة من قبل، وكان الخليفة في المدينة هو صاحب الكلمة العليا في تلك الرقعة الواسعة يحرك الجيوش بإرادته ويرسم سياسة البلاد مع مستشاريه وهو في مقر خلافته، ويعين الولاة أو يعزلهم بحسب ما يرى فيه مصلحة الدولة والمحافظة على حقوق المسلمين.
وكثيراً ما كان الخليفة وهو في المدينة يشارك في وضع الخطة الحربية، ويطلب من قواده موافاته بأحوال البلاد التي يفتحونها، وكثيراً ما كان القواد في أماكنهم النائية يطلبون رأي الخليفة في المواقف التي تحتاج إلى رأي ومشاركة.
وفي عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ازدادت الرقعة اتساعاً وانضمت بلاد شمال إفريقيا حتى تونس إلى الدول الإسلامية، وتوغلت جيوش المسلمين في الشمال الشرقي حتى وصلت طبرستان، وأعادت البلاد المتمردة مثل مرو وهراة ونيسابور إلى سلطة الخليفة في المدينة، كذلك دانت بلاد ما وراء النهر على يد الأحنف بن قيس لسلطة المدينة (1).
وظل خليفة المسلمين في المدينة يدير شؤون هذه الرقعة الواسعة، ويصرف أمورها فيعقد قواده الصلح مع من يريد الصلح بأمر من الخليفة، يفتحون البلاد التي لم تذعن لهم عنوة بتصريح من الخليفة وهكذا.
ومن هذا العرض السريع متبين مدى ما وصلت إليه سلطة الخليفة في المدينة المنوّرة ونعلم مدى ما كانت تتمتع به المدينة من السلطان السياسي على تلك الرقعة الهائلة التي لم تذعن قط لدولة قبل الدولة الإسلامية.

__________
(1) تاريخ الإسلام (1/ 263).

الصفحة 157