كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

159…إنما تسير لحرب الشام فقد أقام عمر فينا، وكفاه سعد زحف القادسية، وأبو موسى زحف الأهواز، وليس من هؤلاء رجل إلا ومثله معك والرجال والأيام دول.
فقال علي: إن الأموال والرجال بالعراق، ولأهل الشام وثبة أحب ان أكون قريباً منها (1).
وهذا الكلام من أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه- يدل بوضوح على أنه قد قرر قراراً لا رجعة فيه بنقل مقر الخلافة إلى العراق، وإلى الكوفة بالذات والتحول عن المدينة.
لقد كان الخليفة يستطيع أن يرسل جيوشه لتحارب البغاة الخارجين عليه ويبقى هو في المدينة مقر الخلافة، ويهدي قلوب المسلمين، ولئن خالفه بعض أهل المدينة فقد أطاعه منهم كثيرون، قال المطلب بن زياد: شهد مع علي يوم الجمل مائة وثلاثة وثلاثون بدرياً، وسبعمائة من الصحابة -رضي الله عنهم (2).
وهذا يدل على أن المدينة لم تمتنع عن بيعة علي، ولم تظاهر غيره عليه، بل إنها كانت له عوناً ونصيراً، ولهذا فإني أرجح أن يكون قرار أمير المؤمنين بنقل مقر الخلافة إلى الكوفة كان تحت تأثير الدسائس السياسية التي لم تنته بعد، والتي ما زالت تواصل مكائدها للمسلمين.
أغلب ظني أن مالك بن الحارث (الأشتر) كان من أوائل المحرضين على نقل العاصمة وأن الذي كان يدفعه إلى ذلك هو ابن سبأ ويؤيد ذلك ما يأتي:
1 - إن العاصمة نقلت إلى الكوفة، والمعلوم أن مالك بن الحارث من رجال الكوفة المعدودين، وهو الذي قاد حملة الثوار من الكوفة إلى المدينة ضد…
__________
(1) الأخبار الطوال ص: 143.
(2) سمط النجوم (2/ 435).

الصفحة 159