161…والعاصمة في المدينة، لأن المسلمين في المدينة قد عرفوا قتلة عثمان، فكيف يقيمون بينهم آمنين؟ لا سبيل إلى ذلك إلا بالخروج من المدينة، ولو تركوا الخليفة في المدينة وذهبوا هم بعيداً عنها، فإنهم لا يأمنون أن يجد الخليفة في طلبهم تحت ضغط المسلمين، وحينئذٍ يثأر منهم لعثمان -رضي الله عنه-.
فلا بدّ إذن أن يكونوا محيطين بالخليفة دائماً، ولا يمكن ذلك إلا خارج المدينة.
والذي يظهر للباحث أن الثوار قد نجحوا في إقناع الخليفة بنقل مقر الخلافة إلى الكوفة بعد ما خرج فعلاً من المدينة لملاحقة الخارجيين عليه، وأنهم أقنعوه عن طريق وجود المال والرجال والقرب من العدو حتى لا يبغته بشيء لا يحبه، أو تفجعه عواقبه.
ونحن نرى أن الثوار قد التفوا حول الخليفة، لا لنصرته، ولا ليتغلب على عدوه ولكن ليحولوا بينه وبين تسليمهم أن يطلبهم، وليشعروه أنهم قوة لا يستهان بها في جيشه.
وقد رأيناهم يتكتلون ويتضامنون وعندما طلب معاوية من علي تسليم قتلة عثمان برز عدد هائل من صفوف جيش أمير المؤمنين علي، وقالوا: كلنا قتلة عثمان فمن شاء فليرمنا، وقد اعتذر على نفسه لمعاوية بأنه لا يمكن تسليمهم وهم في هذه الكثرة الهائلة (1).
ولما حاول علي -رضي الله عنه- إبعاد من اشترك في قتل عثمان عن جيشه توجس الثوار خيفة وتداولوا أمرهم بينهم، فقال الأشتر: أما طلحة والزبير فقد عرفنا أمرهم وأما علي فلم نعرف أمره حتى كان اليوم، ورأى الناس فينا واحد وإن يصطلحوا وعلي فعلى دمائنا، فهلموا فلنتواثب على علي فنلحقه بعثمان فتعود فتنة يرضى فيها منا بالسكون (2).
…
__________
(1) ابن كثير (7/ 259).
(2) الطبري (4/ 493).