163…في نفوس المسلمين مكان تذكر به.
وعلى كل حال فإن نقل العاصمة الإسلامية من الإسلامية من المدينة كان خطأ سياسياً ارتكب في ظروف غير طبيعية، ولو أن الظروف التي تولى فيها الخليفة الرابع أمور المسلمين كانت ظروفاً عادية، لما عدل أمير المؤمنين عن المدينة، ولاتخذها مقراً له كما فعل أسلافه الثلاثة، وقد كان الأولى ألا يحيد عنها مهما كانت الأسباب الداعية إلى ذلك.
لقد فتح الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكة، وهي البلدة التي ولد فيها، وتربى على أرضها ونزل عليه الوحي وهو بين أحضانها، وظن أهل المدينة أنه سيتخذها عاصمة وأنه سيتحول إليها ويترك المدينة، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل، وظلت المدينة تحتل من نفوس المسلمين المحل الأول.
إن النظم الإسلامية لا تخلو مهما تعددت أنواعها من القيم الروحية وإن ارتباط المسلمين بالمدينة كعاصمة ارتباط روحي قبل أن يكون ارتباطاً سياسياً لأن الرسول قد أضفى عليها قداسة لم تتوفر لغيرها، فالصلاة في مسجدها تعد بألف صلاة، والصبر على ولائها جزاؤه شفاعة رسول الله، والبركة في مدها وصاعها حاصلة بدعاء رسول الله، وهي كلها حرم آمن لا يقطع شجره، ولا يصاد صيده، ولا يختلي خلاه.
ومن هنا كان لها منزلة في النفوس ومحية في القلوب كمدينة مقدسة مع كونها عاصمة تتطلع إليها أفئدة المسلمين، وذلك ما لا يمكن أن يوجد في بدة سواها.
إن الأوضاع السياسية كثيراً ما تفرض على الأمم تغيير عواصمهم، وذلك حين يكون في العاصمة ما يدعو إلى هذا التغيير كوقوعها على البحار مثلاً أو في طرف صحراء يخشى غزوها منها، ولكن المدينة ليست كذلك.
وأحياناً تهدد العاصمة بالغزو فتضطر حكومتها لاتخاذ عاصمة أخرى، ولكن ذلك لم يحدث للمدينة.
إن الفراغ الذي أحدثه تغيير العاصمة في نفوس المسلمين لا يملؤه…