165…وإذا علمنا أن الأموال التي دخلت المدينة من البحرين في أحد الأعوام بلغت مليون درهم وأن جزية أهل مصر بلغت مائتي ألف جنيه وسبعة ملايين جنيه، كما بلغت جزية أهل العراق مانية وعشرين ألفاً وخمسمائة جنيه مصري.
وإذا علمنا أن الخراج المتحصل من مصر والعراق بلغ ستمائة وستة وستين، وستمائة عشر ألفاً وخمسة ملايين جنيه مصري، والمتحصل من الشام ثلاثمائة ألف جنيه مصري، علمنا أن مقدار ما تحصله الدولة من الجزية والخراج من مصر والعراق والشام بلغ (13.644.666) ستمائة وستة وستين وستمائة وأربعة وأربعين ألفاً وثلاثة عشر مليوناً من الجنيهات المصرية (1) ولا شك أن هذا المبلغ الضخم في هذه الفترة من الزمن كفيل بأن يحدث من الرواج المالي والإنعاش الاقتصادي ما يجعل المدينة تزهو على غيرها من عواصم العالم.
ونحن لم نعلم في التاريخ القديم أو الحديث أن عاصمْة ضمت خزائنها أموال الدولتين العظيمتين - الفرس والروم - سوى المدينة المنوّرة وليس معنى هذا إلا أن المدينة قد جمعت ترف الدولتين معاً، وعاشت رخاءهما جميعاً.
ولقد بلغت حالة الرخاء في المدينة أن إحدى أمهات المؤمنين لما أرسل إليها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حصتها ظنته أرسل إليها المال لتقسمه على المسلمين فقالت: رحم الله ابن الخطاب أما وجد في أمهات المؤمنين من تقوم بقسم هذا غيري، قالوا: هذا كله لك قالت: سبحان الله، واستترت منه بثوب، ثم قالت صبوه واطرحوه عليه ثوباً، ثم قالت لبرزة بنت رافع: أدخلي يديك فاقبضي منه قبضة واذهبي بها إلى بني فلان، وبني فلان من ذوي رحمها، وأيتام لها، فقسمته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب، قالت برزة: فقلت غفر الله لك يا أم المؤمنين، والله لقد كان لنا في هذا المال…
__________
(1) النظام المالي المقارن ص: 65 - 66.