169…حدا يضيق به العبيد والإماء، فكيف بالسادة من القوم، وماذا يكون حالهم من هذه الشدة؟؟.
ولم يقف الحد عند جارية قد لا يتوفر لها ما تسد به حاجتها، بل إن الأمر قد تعدى ذلك إلى رجال ضاقوا بشدة العيش في المدينة ولم يتحملوا غلاء أسعارها، واعتبروا ذلك بلاءً يبيح لهم هجر المدينة والخروج منها مع علمهم بدعاء الرسول لها وترغيبهم في سكناها والصبر على لأوائها وشدتها.
عن أبي سعيد مولى المهري أنه أصابهم بالمدينة جهد وشدة، وأنه أتى أبا سعيد الخدري فقال له: إني كثير العيال، وقد أصابتنا شدة، فأردت أن أرسل عيالي إلى بعض الريف فقال أبو سعيد: لآ تفعل، إلزم المدينة (1).
وفي رواية أن أبا سعيد مولى المهري جاء إلى أبي سعيد الخدري ليالي الحرة، فاستشاره في الجلاء من المدينة.
وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره ألا صبر على جهد المدينة ولأوائها، فقال له: ويحك لا آمرك بذلك وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة إذا كان مسلماً (2).
ونحن نلاحظ أن الروايتين عن شخص واحد، وأن الرواية الثانية ذكرت الوقت الذي حدثت فيه تلك الشدة وهو الوقت الذي وقعت فيه واقعة الحرة، وهذه كانت بعد أن نقلت العاصمة، واستقر الخليفة في دمشق، وبالتحديد كانت في سنة ثلاث وستين في خلافة يزيد بن معاوية (3).
ومن الحديث نفهم أنه لولا أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهم بالصبر على شدتها، وتحمل المصاعب التي تواجههم فيها ما أقام بها أحد من سكانها، وذلك لأن ما نزل بهم من الشدة والجهد أمر عظيم تضيق به النفوس، ولا…
__________
(1) مسلم بشرح النووي (9/ 146 - 149).
(2) تاريخ الخلفاء ص: 1209.
(3) تاريخ الخلفاء.