170…يتحمله إلا أولو العزم من الرجال.
على أننا نرى أن معاوية -رضي الله عنه- لم يكن بخيلاً، ولا مقتراً، ولكنه كان سخياً كريماً وكان يعطي أعداءه كما كان يعطي أصدقاءه، وأنه كان يصطنع الناس بالمال، ويكسب ثناءهم بالعطاء ومن أمثلة ذلك ما روى سليمان المخزومي قال: أذن معاوية للناس إذناً عاماً، فلما احتفل المجلس قال: أنشدوني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت قائم بمعناه فسكتوا، ثم طلع عبد الله بن الزبير فقال: هذا مقول العرب، وعلامتها أبو خبيب قال: مهيم؟ قال أنشدني ثلاثة أبيات لرجل من العرب كل بيت قائم بمعناه، قال: بثلاث مائة ألف، قال: وتساوي؟ قال: أنت بالخيار، وأنت وافٍ كافٍ، قال: هات فانشده الأفوه الأمدي قال:
بلوت الناس قرناً بعد قرن فلم أرَ غير ختال يقال
قال: صدق هيه، قال:
ولم أرى في الخطوب أشد وقعا وأصعب من معاداة الرجال
قال: صدق هيه، قال:
وذقت مرارة الأشياء طرّاً فما طعم أمر من السؤال
قال: صدق، ثم أمر بثلاثمائة ألف (1).
إن الخليفة الذي يعطي على ثلاثة أبيات من الشعر ثلاثمائة ألف درهم جائزة لا يمكن أن يكون شحيحاً، ولا يمكن أن يكون حريصاً على المال، ولكنه كما قلت: كان يصطنع به الرجال، فلو لم يكن الرجل هو عبد الله ابن الزبير ما بذل معاوية هذا المبلغ في ثلاثة أبيات من الشعر، ومن يدري كم كانت الجائزة في ذهن الخليفة قبل أن يأتي ابن الزبير؟
هذه كانت سياسة معاوية في بذل المعروف، واقتناص الرجال، ولكنه -…
__________
(1) السيوطي ص: (202 - 203).