176…
وأما ثانيتهما:
فهي فترة الدولة الإسلامية الأولى، وهي فترة صنعت التاريخ، وأحلت الجزيرة العربية محلاً لم يكن في حسبان أحد، حتى أن التاريخ كان يسعى جاهداً لتسجيل ما دار في تلك الحقبة على أرض الجزيرة التي لم يعبأ بها من قبل.
ومع وجود المصادر الوثيقة، ومع توفر مادة البحث، ومع وجود طبقة من المؤرخين الذين تفرغوا لتسجيل وقائع تلك الفترة، إلا أنه دخل عليها أشياء كثيرة، ودست بين الأحداث أوهام وخرافات تحتاج إلى تحقيق ليظهر زيفها من صحيحها وباطلها من حقها؛ وأخص بالذات فترة الفتنة التي ماجث موج البحر، وأتيحت فيها الفرصة للوضاعين والنساسين فباضوا وأفرخوا، وزيفوا على التاريخ ما ضج منه التاريخ.
إن التاريخ الإسلامي في حاجة ماسة لن تحقق وقائعه وأحداثه، ولا سبيل إلى ذلك إلا عن طريق تحقيق شخصيات الرواة، وتعديلهم أو تجريحهم، وعلى ضوء النتائج الحاصلة من تلك الدراسة نستطيع أن نثبت من الروايات ما يصح سنده، ونرد منها ما لا يصح.
وبناءً على ما ذكر نستطيع أن نكتب التاريخ الإسلامي من جديد كتابة تعطى للدارس صورة ناصعة عن تلك الفترة، ونكون بذلك قد خدمنا تاريخنا، وأزلنا عنه شبهة المبطلين وتضليل المحرفين.
وفي ختام هذه الرسالة ادعوا ملحاً أن ينهج المؤرخون هذا النهج، وأن ينشئوا أبناءهم الدارسين هذه النشأة حتى يوجد الجيل المتمرس على تلك الدراسة الدائب على تحقيقها في بحوثه وكتابته، وبذلك نعيد التاريخ على الوجه الذي يجب أن يكون عليه من غير كبير عناء.
إننا لو قسمنا العصور التاريخية بحسب قيام الدول وسقوطها على الدارسين، وطلبنا من كل مجموعة تحقيق أحداث الفترة التي تخصصوا في كتابتها على النحو الذي أشرت إليه، وأدت كل جماعة واجبها في تلك…