18…العواقب الوخيمة التي ترتبت عليه من استخفاف التلميذ بمدرسته ومدرسه، وإهماله في دروسه وواجباته وعدم التزامه بأبسط الواجبات من الآداب مع غيره من زملائه، وقد تعدى الأمر ذلك إلى الوالدين ومن يقوم مقامهما، حتى أصبحت المدارس أكثر الأماكن أمناً للتلميذ، يخالف في داخلها النظم من غير رادع، ويتعدى على حقوق غيره وهو مطمئن.
ورغم هذا الفشل الذريع الذي منيت به هذه النظرية، ورغم اعتراف الجميع من المدرسين والإداريين وأولياء الأمور والعقالاء من التلاميذ يعجز هذه النظرية عن تقديم وسائل ناجحة للتربية، فإنهم مصرون على التمسك بها وكأنهم لا يقصدون من ذلك إلا مخالفة القاعدة التي قررها الحديث الشريف.
على أن قاعدة الثواب والعقاب مقررة وقائمة رغم أنف العاملين على إلغائها، وهم بأنفسهم يمارسون تنفيذها، بل ويحرصون على تطبيقها، ذلك لأنهم يقدمون للمحسن الجيد القائم بواجبه شيئاً من الهدايا تشجيعاً له، ولا يستطيعون تقديم مثل هذه الهدايا للمسيء المقصر، وحرمان المقصر من الهدايا من العقوبات التي لها أثر نفسي وحسّي سيء لا يقل مرارة في نفس التلميذ عن الضرب المبرح.
وأصحاب هذه النظرية لا يستطيعون الخروج من هذا المأزق إلا بأحد حلين، وكلاهما بين جنبيه العقوبة والجحود، لأنهم إما أن يعطوا الجوائز والهدايا للطلاب على حد سواء، أو يمنعوا الجميع على حد سواء، وفي كلا الحالين قتل للتنافس بين الطلاب، وجحود لعبقرية المتفوقين منهم، وليس وراء ذلك عقوبة، إلا أن العقوبة في الحالين المذكورين تنصب على رأس المتفوقين دون غيرهم.
ومن هذه المناقشة السريعة لموضوع الثواب والعقاب في التربية نشعر بتفوق الإسلام في أساليبه التربوية، ونتأكد أن القرآن الكريم لم يضع هذه القاعدة عبثاً، وأن الرسول العظيم لم يقررها اعتباطاً، وإنما كانت مبنيَّة على أسس عقلية، وقواعد فطرية، بحيث يترتب على تعطيلها كف القوى العقلية…