23…فوقع الناس في شجر في البوادي، قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة، قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: ((هي النخلة)) (1).
وروى البزار من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)) فقال: أتدرون ما هي؟ قال ابن عمر: لم يخف عليَّ أنها النخلة، فمنعني أن أتكلم مكان سني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هي النخلة)) (2).
إن طرح الأسئلة بهذه الطريقة على الحاضرين لا يقصد منه إلا استخراج ما عندهم من العلم ووصف الشجرة بأنها لا يسقط ورقها فيه تقريب الإجابة إلى الأذهان، وقد ثبت في بعض الرويات عن مجاهد بن ابن عمر قال: كنا عند النبي فأتى بجمار فقال: (إن من الشجر شجرة ... الحديث) (3).
وهذه الرواية صريحة في أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - طرح عليهم السؤال عندما أتى بالجمار وهو شحم النخلة، فالسؤال والحالة هذه يوحي بالإجابة من غير مشقة، ولم تخف الإجابة على ابن عمر - رضي الله عنهما - ولكنه منعه الحياء من الإجابة لأنه كان أصغر الحاضرين سناً.
ولما سكت القوم، ولم يجيبوا، أجاب الرسول، وبين لهم أنها النخلة، وهذه الطريقة في التدريس تشحذ أذهان الطلاب، وتحرك قرائحهم للبحث، وإذا تعلم الإنسان المسألة بعد بحث وتأمُّل فإنها تثبت في ذهنه، وقلما ينساها، ولهذا يقول ابن حجر: فيه التحريض على الفهم في العلم ويعلق على الحديث فيقول: ينبغي للمُلْغَز لَهُ أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال، كما ينبغي للملْغِز أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز له باباً يدخل منه، بل كلما قربه كان أوقع في نفس سامعه (4).
…
__________
(1) البخاري (1/ 147).
(3) البخاري (1/ 165).
(2) فتح البارى (1/ 146).
(4) فتح الباري (1/ 146).