كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

38…لاتخاذ أماكن خاصة للتعليم.
وأحب أن أضيف إلى ما ذكرته سابقاً من الطرق التي اتبعت في التدريس في تلك الفترة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان ينتقل في أثناء التدريس من السهل إلى الصعب حتى يتلقى الطلاب العلم تدريجياً، كما كان يعمد إلى إبراز العقول في صورة المحسوس ليسهل إداركه ويستقر في العقل، والأمثلة على ذلك كثيرة في كتب الحديث.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يأمر بكتابة العلم حتى لا يتفلت من صاحبه، لأن تقييد العلم بالكتابة فيه حفظ للعلم من الضياع ولهذا لما استأذن عبد الله بن عمرو بن العاص الرسول في كتابة العلم في كل حال، قال له - عليه السلاة والسلام-: ((اكتب)) والذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق)) (1) وأشار إلى فمه.
وقد أرسل الرسول المعلمين إلى أنحاء الجزيرة المختلفة ليعلموا الناس ويفقهوهم، فخلف معاذ بن جبل - رضي الله عنه - في مكة بعد الفتح ليفقه أهلها، ويعلمهم الحلال والحرام ويقرئهم القرآن (2).
وأرسل أبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن يدعوان إلى الإسلام فأسلم أهلها طوعاً من غير قتال (3).
وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين فأسلم حاكمها وصدق، وأقره الرسول على البحرين يعلم أهلها، ويفقههم وظل بها حتى أخرجه أهلها عندما ارتدوا (4).
وبعث جرير بن عبد الله البجلي إلى ذي الكلاع الحميري وذي عمرو فأسلما وتوفي الرسول، وجرير عندهم (5).
وهكذا نلاحظ أنه في هذا العهد قد وضعت اللبنات الأولى لنهضة علمية قلما تتوفر لشعب من الشعوب وفي عهد…
__________
(1) البخاري (1/ 204)، جامع بيان العلم وفضله (1/ 71).
(2) فجر الإسلام ص: 173.
(3) و (4) و (5) زاد المعاد (1/ 62 - 63).

الصفحة 38