44…تلك العلوم وهذه الحضارة في عقول ونفوس أصحابها، ولم يكن عمر ممن يضيق صدره بمثل تلك العلوم فيرفضها، ولا ممن يتنكرون للحضارة ويردها ولكنه كان فسيح الصدر، واسع الأفق، بعيد الغور، حريصاً على الخير.
كان - رضي الله عنه - يعلم تماماً أن هذه العلوم وتلك الحضارة لا بدّ أن تنتقل يوماً ما إلى عقول المسلمين، وعاداتهم، ويعلم كذلك أنها لا بدّ أن تؤثر في المسلمين بقدر ما تصادف منهم من الوعي والإدراك، ومع ذلك لم ينه عنها، ولم يمنع أصحابها من التحدث بها.
لا ضير على المسلمين أن ينهلوا من العلوم ما دامت خيَّرة وصالحة، ولا ضير عليهم كذلك أن يتأثروا بالنافع المفيد من الحضارة، إذ ليس في الإسلام ما يمنع ذلك، فالحكمة ضالة المؤمن يبحث عنها في مظانها، ويلتقطها أنى وجدها.
ولا خوف على المسلمين من علوم تدخل عليهم وقد صقل القرآن عقولهم فأصبحت تنفر من الباطل ولا تتأثر إلا بالحق، وهذَّبت السنة الشريفة أفئدتهم فلا تتفتح إلا للخير.
إن الإسلام قد وهب عقول المسلمين قوة مدركة يميزون بها بين الغث والمسليمن، وبين الخبيث والطيب، بل أصبحت عقولهم قادرة على التأثير في غيرها، منيعة من أن تتأثر في غير الحق.
لقد فتح المسلمون بلاد الفرس وبلاد الروم، وكان لكلا البلدين علوم في تنظيم الدولة، فكان لهما دواوين للأموال، ودواوين للجند، ونظام إداري يتعامل على أساسه موظفو الدولة، واستفاد المسلمون من كل ذلك في خلافة عمر - رضي الله عنه - دون أن يؤثر ذلك في النظام الإسلامي أو يخل بطابعه العام، أو يخرجه عن المفاهيم الإسلامية الأصيلة.
وكان رائد الخلفاء في ذلك حث الإسلام على طلب العلم، وترغيبه في تعلمه والاستفادة منه قال أبو يوسف - رحمه الله-: لما أراد عمر ابن…