كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

45…الخطاب - رضي الله عنه - أن يمسح السواد أرسل إلى حذيفة أن أبعث إليَّ بدهقان من جرجي، وبعث إلى عثمان بن حنيف أن ابعث إلى بدهقان من قبل العراق، فبعث إليه كل واحد منهما بواحد ومعه ترجمان من أهل الحيرة، فلما قدموا على عمر - رضي الله عنه- قال للدهقانين: كيف كنتم تؤدون الأعاجم في أرضهم (1)؟ وهكذا يسأل عمر الدخقانين ليستفيد من معرفتهما، ولم يمنعه - رضي الله عنه - مكانه أن يتعلم منهما ما لم يكن يعلم، ما دام لا يؤثر في عقيدته، ولا يخالف تعاليم الإسلام ومبادئه.
ولما جاء مال من البحرين عظيم، قدره خمسمائة ألف درهم، وعزم على تفرقته على المسلمين قال رجل: يا أمير المؤمنين، إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون ديواناً يعطون الناس عليه قال: فدوّن الديوان (2).
لم يمتنع عمر عن نقل علوم العجم والعمل بها لما فيها من الفوائد التي تعود على المسلمين والمصلحة التي ينتفع بها الجميع، وتلك كانت سنة الخلفاء، يجهدون أنفسهم في تحصيل الخير والمنفعة للمسلمين، ولا يسألون من أي وعاء خرجت؟.
ولم تنحصر همة الخلفاء على تعليم الناس وتفقيههم في المدينة فقط أو في الجزيرة العربية فقط، ولكنها تعدت ذلك إلى البلاد المفتوحة، وقد أرسل عمر عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - إلى الكوفة ليعلم الناس فيها، وكتب إليهم (إني بعثت إليكم بعبد الله بن مسعود معلماً وزيراً، وآثرتكم به على نفسي فخذوا عنه) (3).
وبعث أبا موسى الأشعري إلى البصرة حاكماً ومعلماً، ولما عاد أنس بن مالك من البصرة سأله عمر، كيف تركت الأشعري؟ فقال: تركته يعلم…
__________
(1) الخراج ص: 38.
(2) البلاذري ص: 440، السيوطي ص: 143.
(3) فجر الإسلام ص: 152.

الصفحة 45