46…الناس القرآن. فقال عمر: إنه كبير، ولا تسمعها إياه (1).
وكما اهتم عمر - رضي الله عنه - بالعراق اهتم أيضاً بتعليم مسلمي الشام، ولما كتب إليه يزيد بن أبي سفيان بحاجة أهل الشام إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم أرسل إليه معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبا الدرداء، وتفرق الثلاثة في بلاد الشام، فاستقر عبادة بحمص، وخرج أبو الدرداء إلى دمشق، وذهب معاذ إلى فلسطين، ثم تبعه عبادة وأقام بها (2).
وكان في مصر عبد الله بن عمر بن العاص - رضي الله عنهما - وهو من أجلاء الصحابة وعلمائهم كثير الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي استأذن الرسول في أن يكتب عنه فأذن له، وكان له صحيفة، سمعها من رسول الله، كان يسميها الصادق (3).
وهكذا وسع الخلفاء بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجال الحركة العلمية، حتى شملت جميع الجهات المفتوحة، وكان حرص الخلفاء على تزويد هذه الجهات بعلماء الصحابة، حتى يتعلم أهلها الإسلام من مصادره الوثيقة، وحتى تبرز في أذهانهم صورته الوضيئة من غير تشويه أو تحريف.
لقد كان لأهل هذه البلاد مفتوحة علوم وثقافة، وكانت هذه العلوم ولا شك راسخة في أذهانهم، مستقرة في عقولهم، وكان الخلفاء يخشون من ترك هؤلاء بغير تعليم لمبادئ الدين الحنيف فتزاحم علومهم القديمة ما يسمعونه من المسلمين فلا يكون للعلم الطارئ عليهم أثره في نفوسهم.
لهذا اهتم الخلفاء بتزويد هذه الجهات بفطاحل العلماء من الصحابة كي يستطيعوا إزالة ما في عقول الناس من الأوهام وتثبيت مفاهيم الإسلام الصحيحة في الأذهان.
…
__________
(1) ابن سعد (4/ 108).
(2) الإصابة (2/ 269).
(3) الطبقات (7/ 499).